عندما ترتبط الحياة بجلسة أو ثلاث أسبوعياً أو خمس في أحيان أخرى، فإن التعبير عن الألم والمعاناة يصبح «مستحيلاً». وعندما تتوقف الحياة على الظفر بعضو لا يتجاوز حجمه بضعة سنتيمترات مكعبة، ويفغر الموت فاهه بانتظار الفرصة، يصبح للحياة معنى آخر. لا تخلو قصص المصابين بالفشل الكلوي من معاناة تجفّف المآقي. حياتهم المليئة ب «الألم» مبنية على «الأمل» المتجدد، والساعة في حياتهم بحسبان، فمواعيد «الغسيل» لا تنتظر أحداً، لكن المشكلة الأكبر التي يعاني منها المصابون، خصوصاً أولئك الذين يعيشون في الأقاصي والنواحي هي ضعف تجهيز المراكز الطبية في مدنهم، وعدم توافر الإمكانات الكافية. كلّما اشتد بهم التعب، وضاق الصبر بالصابرين، يبدأ الإنسان بالبحث عن بديل، ذلك البديل الذي قد يمنحه «حياة أخرى»، أو يعاونه على التخلص من الألم، وربما يكبر الطموح وينمو على شكل غصن يحمل ثمرة الصحة والعودة إلى الحياة... لكن «الحلم» أحياناً يؤدي إلى هلاك محقق إذا لم يكن قابلاً للتحقق. ويصل عدد المعتمدين على جلسات التنقية الدموية من مرضى الفشل الكلوي إلى حوالى 12 ألف مريض، وفق المدير التنفيذي لمركز الأمير سلمان لأمراض الكلى الدكتور خالد السعران، الذي يوضح «أن أبرز عاملين للإصابة بالفشل الكلوي هما مرض السكري (37 في المئة)، والارتفاع في ضغط الدم (32 في المئة)، مشيراً إلى أن نسبة الإصابة متقاربة جداً في صفوف الذكور والإناث». ويواجه مرضى الفشل الكلوي، وسواهم ممن يعانون من تلف أعضاء داخلية في أجسادهم مشكلة العثور على أعضاء بديلة، لندرة المتبرعين، وهو ما يدفع بعضهم، خصوصاً من تصبح حياتهم مهددة بالخطر، إلى السفر إلى خارج السعودية بحثاً عن كلية أو رئة أو قلب أو كبد. ويقول السعران: «المشكلة لا تكمن في قلة المراكز الجراحية الممتازة والتي تظهر نجاحاً مرتقعاً جداً لجراحات الزراعة، وإنما في قلّة المتبرعين التي تدفع ببعض المرضى إلى الخارج لإجراء مثل هذه الجراحات»، موضحاً أن «الاعتقاد السائد لدى المواطنين هو أن التبرع بالكلى يؤثّر في صحتهم، علما أن الدراسات أثبتت أن التبرع بإحدى الكليتين لا يؤثر في حياة الشخص على الإطلاق». ويشير اختصاصي جراحة زراعة أعضاء أطفال في مستشفى الملك فهد التخصصي في الرياض الدكتور منصور توفيق، إلى أن هيئة كبار العلماء أصدرت فتاوى تبيح التبرع بالأعضاء بشروط معينة. ويؤكد توفيق وجود «شروط دقيقة للتعامل مع المتبرع أو المتوفى دماغياً»، مضيفاً: «يتم درس أسباب موت المتوفى، على أن يكون سبب الموت دماغياً، ولا بد أن يكون هناك طبيبان متخصصان، أحدهما متخصص في الأعصاب، والآخر في العناية المركزة، لدرس وضع المريض سريرياً، والتأكد عبر الأشعة من عدم وصول الدم إلى الدماغ، أي موت الشخص دماغياً. كما يتم التأكد من عدم وجود التهابات فيروسية وبكتيرية، أو إصابات في الأعضاء، مثل الكبد والكلى، والتأكد من أن وظائف الأعضاء مناسبة، فيما تؤخذ أحياناً عينات للتأكد بصورة جازمة من أن الأعضاء المُتبرع بها صالحة لزرعها في شخص آخر». ويؤكد رئيس المركز السعودي لزراعة الأعضاء فيصل شاهين أن أكبر العوائق التي تواجه فريقه في مجال زراعة الأعضاء هو «عدم قناعة أهالي المتوفين دماغياً بفكرة التبرع، ما جعل الموافقات على التبرع لا تتجاوز 30 في المئة»، واصفاً النسبة بالقليلة، «مقارنة بالحالات المرتفعة في المملكة، التي تتطلب تدخلاً بشكل عاجل». ويكشف أن المرضى في المركز يحتاجون إلى 250 كلية و100 كبد و20 قلباً وعشرة يحتاجون إلى رئة. ويؤكد أن نسبة نجاح زراعة الأعضاء في المملكة مرتفعة إذ «تصل في الكلى إلى 95 في المئة، والكبد 90 في المئة، وتجرى في 23 مركزاً في المملكة، منها 17 مركزاً لزراعة الكلى، وثلاثة لزراعة القلب والكبد». ويشير شاهين إلى أن المرضى المحتاجين لأعضاء بديلة «حياتهم معرضة للخطر، خصوصاً المصابين في الكبد والقلب، لأنه في حال تفاقم الحال سيتوفون مباشرة، بخلاف مرضى الكلى الذين يستعينون بالغسيل حتى يتم إيجاد متبرع لهم». ويضيف: «المرضى لا يستطيعون شراء الأعضاء لأنه محرم دولياً، لكن هناك تبادلاً للأعضاء بين الدول ضمن اتفاقات بينها، وتكون بشكل شرعي». ويوضح أن الفيليبين وباكستان والصين كانت الوجهات الأولى التي يذهب إليها السعوديون لزراعة الأعضاء، «لكن في الوقت الحاضر يُمنع فعل هذا الشيء، إذ لا تباع الأعضاء لغير مواطني البلد»، محذراً في الوقت ذاته من الحيل التي يتبعها بعض المواطنين بالذهاب خارج المملكة، «ما يجعلهم يقعون فريسة عصابات عالمية تستنزف جيوبهم، من دون الحصول على فائدة تذكر، فضلاً عن عدم ضمان النتائج». ويقول إن كلفة الزراعة في المملكة تعتبر مرتفعة، إذ تصل إلى 300 ألف ريال للكبد والقلب، و100 ألف للكلية، مشيراً إلى أن الدولة تتكفل بالمصاريف، مشدداً على أنه في الوقت الحالي لا توجد عقبات مالية، «لكن النقص الذي نعاني منه هو قلة عدد المتبرعين». ويلفت إلى أن المركز يطمح إلى إقبال كبير من المجتمع على التبرع بالأعضاء، «وأن يتقبل الفكرة، خصوصاً مع وجود فتوى من هيئة كبار العلماء تجيز فعل هذا الشيء». ويوضح أن المراكز الحكومية والأهلية تعمل تحت مظلة المركز الوطني لزراعة الأعضاء، «ويمنع إجراء جراحة حتى تتم الموافقة عليها»، لافتاً إلى وجود حملات إعلامية مشتركة لخلق ثقافة التبرع بالأعضاء، وتحفيز المواطنين على اتخاذ هذه الخطوة في حال وفاتهم دماغياً. وأسهمت المملكة في صوغ التقرير النهائي لاجتماع الجمعية العالمية للكلى في العاصمة التركية إسطنبول، الذي يدعو إلى إغلاق المراكز التجارية، التي تنشط في زراعة الأعضاء، إذ يخضع المتبرعون الأحياء في تلك الدول إلى «السمسرة» ويحصلون على مبالغ زهيدة جداً. وكان إعلان إسطنبول في اجتماع الجمعية العالمية للكلى، الذي عقد عام 2008، وتبنته منظمة الصحة العالمية، أوصى بوضع روابط وشروط على الدول، في شأن نقل الأعضاء والاتجار بها، كما جرى تطبيق هذا القانون على شركات الطيران، وقامت بعض الدول مثل الفيليبين وباكستان والصين بإغلاق عدد من المراكز.