استبق الرئيسان الفلسطيني محمود عباس والإسرائيلي شمعون بيريز الصلاة من أجل السلام التي دعا إليها البابا فرنسيس في الفاتيكان أمس، بالإعراب عن الأمل في أن يساعد هذا اللقاء بدفع السلام، في وقت قال البابا في تغريدة على «تويتر» أول من أمس إن «الصلاة تستطيع تحقيق كل شيء. لنستخدمها لإحلال السلام في الشرق الأوسط والعالم أجمع»، طالباً من عشرات آلاف المصلين أمس في ساحة القديس بطرس الانضمام إلى هذا «اللقاء» عبر الصلاة. وكان البابا قام بمبادرة تاريخية وغير مسبوقة عندما دعا الرئيسين الإسرائيلي والفلسطيني إلى الفاتيكان لصلاة من أجل السلام أمس، وإن كان من غير المتوقع أن تؤدي إلى إطلاق عملية السلام بسرعة. وأكد البابا الذي ينظر بواقعية إلى التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أن هذه الخطوة ليست «وساطة» على الإطلاق، معتبراً أن القيام بذلك سيكون «جنوناً». وأقر الرئيسان الضيفان بأن جهود السلام تواجه مأزقاً. وقال عباس في مقابلة مع صحيفة «لا ربيبليكا» اليومية الإيطالية: «نأمل في أن تساعد هذه الصلاة التي سنرفعها من القلب والروح إسرائيل فعلاً على اتخاذ القرار. لقد وقعت مع بيريز اتفاقات السلام في أوسلو وفي حديقة البيت الأبيض عام 1993، لكن من المؤسف أن معارضي هذه الاتفاقات يمسكون بالسلطة التنفيذية في إسرائيل اليوم». وأضاف إن «مبادرة البابا كانت شجاعة. ومن خلال هذه الصلاة نبعث برسالة إلى جميع المؤمنين لدى الديانات الثلاث الكبرى والى الديانات الأخرى أيضاً، مفادها أن حلم السلام يجب ألا يموت». وأوضح: «يجب ألا يوقفنا شيء في البحث عن حلول تؤمن للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي أن يعيش كل منهما في دولته وعلى أرضه المعترف بها دولياً، بما فيها القدس». من جانبه، اعتبر بيريز (90 سنة) قبل توجهه إلى روما أن حكومة التوافق الفلسطينية الجديدة «تنطوي على تناقضات، ولن تتمكن من الاستمرار فترة طويلة». وقال في تصريح: «لا يمكن التعايش في إطار دولة واحدة، عندما يكون أحد الأطراف مؤيداً للإرهاب، والآخر معارضاً له. وهذا الأمر لن ينجح. ولا يمكن أن تجتمع النار والماء في كأس واحدة». لكنه أضاف إن «هذا النداء الروحي (من أجل السلام) بالغ الأهمية... آمل في أن يسهم في دفع السلام بين الطرفين وفي العالم». واستقبل البابا الذي يتمتع بشعبية كبيرة، في حدائق دولته الصغيرة أمس عباس وبيريز يرافقهما وفدان غير سياسيين يضم كل منهما بين 15 وعشرين شخصاً، وكذلك بطريرك القسطنطينية للأرثودكس برتلماوس الذي رافقه في رحلته للأراضي المقدسة بين 24 إلى 26 أيار (مايو) الماضي. وعقد لقاء قصيراً مع كل منهما قبل أن يتوجهوا إلى مرج قرب موقع المتاحف. ووفق تسلسل يحترم التاريخ، قام الممثلون اليهود ثم المسيحيون ثم المسلمون بالصلاة خلال فترة زمنية محددة لثلاثة مواضيع محددة أيضاً هي «الخليقة» التي تجعلهم جميعاً إخوة، و»طلب الصفح»، وأخيراً «التضرع من أجل السلام». ورافقت مقطوعات موسيقية الصلوات التي جرت باللغات العبرية والإنكليزية والإيطالية والعربية. وشارك في الحدث الحاخام ابراهام سكوركا والبروفسور عمر عبود اللذان رافقا البابا في رحلته للأراضي المقدسة. وبعد ذلك، قام كل من البابا والرئيسين «بالتضرع من أجل السلام»، قبل أن يزرعا شجرة زيتون. وقال برتلماوس لصحيفة «لا ريبوبليكا» إن «هذه المبادرة تهدف إلى إحلال السلام في منطقة تجتاحها نزاعات ولم يؤد الجهد السياسي والديبلوماسي إلى نتائج دائمة». وأضاف: «نريد أن نعطي إشارة، في آسيا وفي أوروبا، إلى أنه بعون الله يمكننا أن نصل إلى نتائج». ووصف الفاتيكان أمس الصلاة بأنها «تضرع من أجل السلام» لتجنب تشبيهها «بصلاة مشتركة بين الديانات» يمكن أن تؤدي إلى مشاكل للديانات الثلاث. وأوضح الأب الفرنسيسكاني بيارباتيستا بيتسابالا: «لا نصلي معاً بل نلتقي للصلاة». وأضاف إن الفاتيكان يريد أن يعرض «توقفاً في السياسة»، موضحاً: «لا أحد لديه أوهام بأن السلام سيحل اعتباراً من الاثنين. هذا التوقف مرغوب فيه ولا يجري كل شيء في ردهات السياسة»، وأكد: «كان من الواضح أن السياسة ستبقى بعيدة». وهذا الحدث لا سابق له في الفاتيكان، ففي عام 2000، خلال احتفالات الألفية الثانية، أدى المسلمون واليهود الصلاة في الفاتيكان، لكن في مكانيْن منفصلين، و»بمشاركة روحية» من البابا السابق بنديكتوس السادس عشر. حساسيات وواجه الفاتيكان بعض البطء في نشر لوائح الوفود في مؤشر إلى مدى حساسية تشكيلتها. وكان تحديد موعد هذا الحدث أمراً معقداً أيضاً. فالجمعة هو يوم عطلة للمسلمين، والسبت لليهود، لذلك اختير الأحد. وأخيراً كان يجب إيجاد مكان محايد، إذ رُفضت القاعات التي تضم رسوماً جدارية مسيحية، وتم تجنب أن تكون الصلاة موجهة إلى الشرق، أي إلى القبلة، مكةالمكرمة. كما عمل الفاتيكان على التأكد من أن النصوص لا تتضمن أي مفاجآت أو تصريحات جارحة. وقال المنظمون إن «كل وفد اختار نصوصه. هناك شفافية مطلقة في شأن الصلوات ولا مفاجآت متوقعة». وكان البابا صرح خلال جولته في الأراضي المقدسة: «نريد أن نثبت أن للأديان التوحيدية الثلاث جذوراً مشتركة، وعليها العمل معاً من أجل السلام».