لم تكد تتجلى بوادر وحدة وطنية فلسطينية على خلفية المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في حق المشاركين في «مسيرة العودة الكبرى» الجمعة الماضي، حتى لفحت أجواء الانقسام مجدداً ملف تمكين الحكومة في قطاع غزة. ففي وقت يحمل الفلسطينيون إلى المجتمع الدولي رؤية موحّدة للاقتصاص من جريمة الاحتلال في يوم الأرض، تتجسّد في عزم على مطالبة الأممالمتحدة بتشكيل لجنة تحقيق، ومقاضاة إسرائيل، وتقديم مشروع قرار في مجلس الأمن لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، عادت حكومة التوافق الوطني إلى العزف على وتر «التمكين». وعرض وزير الشؤون الخارجية والمغتربين رياض المالكي خيارَين للتحرك الفلسطيني المقبل في الأممالمتحدة، يتماهيان مع مضمون اتصال هاتفي بين رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط. وأوضح المالكي أن الخيار الأول لدى السلطة الفلسطينية يتمثل في «الطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ترجمة اقتراحه تشكيل لجنة تحقيق في مجازر قوات الاحتلال في غزة». أما الخيار الثاني، فيتعلق ب «تقديم مشروع قرار في مجلس الأمن لتوفير الحماية الدولية لشعبنا». ورأى المالكي أن «الخيار الأول يضمن عدم تراجع الأمين العام عن مطالبته بتشكيل لجنة تحقيق، فيما ستحاول الولاياتالمتحدة إفشال إقرار مشروع القرار في مجلس الأمن»، علماً أن واشنطن أجهضت إصدار بيان من المجلس لإدانة مجزرة إسرائيل، ليعمد غوتيريش عقب هذا الفشل، إلى المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في الجريمة الإسرائيلية. وأكد المالكي في حديث إلى إذاعة «صوت فلسطين» الرسمية صباح أمس، «استمرار المشاورات مع الأطراف كافة للتحرك نحو مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية، بحسب تعليمات الرئيس (محمود عباس) بخصوص كيفية التوجه إلى هذه المنظمات، لتشكيل لجنة تحقيق في أحداث يوم الأرض». ولفت إلى أنه «تمت مخاطبة المقررين الخاصين لحقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية على اعتبار أن ما قامت به قوات الاحتلال يعدّ جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني». وفي السياق، أجرى هنية أمس اتصالاً هاتفياً بأبو الغيط وناقشا المجزرة الإسرائيلية. وأشار هنية، وفقاً لمكتبه، إلى «أهمية التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية لمقاضاة الاحتلال وقادته وكذلك التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للبحث في المجزرة». ودعا إلى «تشكيل لجنة تحقيق دولية من الأممالمتحدة، خصوصاً في ظل اتخاذ الولاياتالمتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن وحيلولتها دون اتخاذ قرار منصف للشعب الفلسطيني وضحايا المجزرة». بدوره، شدد أبو الغيط على «موقفه القاطع بإدانة الجريمة الإسرائيلية»، مشيراً إلى أن الجامعة العربية «ستعقد اجتماعاً غداً (اليوم) لمناقشة هذا الأمر وستتخذ القرارات اللازمة والمتناسبة مع الحدث». وتم الاتفاق خلال الاتصال على «استمرار المشاورات والتواصل لمتابعة التطورات، لاسيما أن ما فعله جنود الاحتلال له تأثيراته في الرأي العام الدولي والإقليمي لمصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية». واتهمت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة قوات الاحتلال ب «تعمّد قتل» المشاركين المدنيين في المسيرة أو «التسبب بإعاقات كبيرة» في صفوفهم. ووصف الناطق باسم الوزارة أشرف القدرة ما حدث بأنه «جريمة حرب مكتملة الأركان تستدعي من المنظمات الدولية والإنسانية والحقوقية حول العالم رفع دعاوى قضائية ضد المحتل من خلال الشهادات الحية للمصابين والجرحى». وشدد على أن «الاحتلال تعمد قتل عدد كبير من المتظاهرين، وإحداث أكبر إصابات غائرة في صفوفهم»، مشيراً إلى «استشهاد 16 متظاهراً وإصابة نحو 1200 آخرين»، قبل أن ترتفع الحصيلة إلى 17 شهيداً إثر استشهاد الشاب فارس الرِقب (29 سنة) صباح أمس متأثراً بجروحه. وأعلنت اللجنة التنسيقية الدولية ل «مسيرة العودة الكبرى» تشكيل لجنة قانونية دولية لملاحقة الاحتلال على «ارتكابه جريمة حرب ضد المدنيين العزّل في قطاع غزة». وأوضحت في بيان أمس، أن اللجنة القانونية التي تضم عدداً من الخبراء القانونيين والحقوقيين من دول عدة حول العالم، «ستبذل كل ما في وسعها، بالتعاون مع المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية كافة، لملاحقة جنود الاحتلال وقادته وجيشه». وأكدت أن «المدنيين الذين شاركوا في مسيرة العودة الكبرى، مارسوا حقهم المكفول قانونياً ودولياً في التظاهر السلمي، وأطلقت قوات الاحتلال النار عليهم أثناء مطالبتهم بحقهم في تطبيق قرارات الأممالمتحدة الخاصة بحق العودة، وفي مقدمها قرار الجمعية العامة رقم 194». وشددت اللجنة على «سعيها إلى ملاحقة الاحتلال في الأروقة القضائية الدولية كافة، وتقديم جنوده وقادة جيشه إلى محاكم جرائم الحرب ومحكمة الجنايات الدولية والمحاكم الدولية المختصة»، كما وجّهت نداء عاجلاً إلى «كل من يملك أدلة أو صور أو فيديوات تثبت جرائم الاحتلال وجيشه ضد المشاركين العزل في يوم الأرض». ومقابل وحدة الموقف إزاء محاسبة الاحتلال، عاد الجدل الفلسطيني على قضية تمكين الحكومة في قطاع غزة، إذ شدد رئيس الوزراء رامي الحمدالله على أن حكومته لن تذهب إلى قطاع غزة إلا «بتسلم المسؤوليات كافة وفي اللحظة ذاتها». وقال الحمد الله خلال احتفال في بلدة صرة في الضفة الغربيةالمحتلة بمناسبة الانتهاء من مشروع تسجيل الأراضي، إنه «من الآن فصاعداً، لن نذهب إلا بتسلم مسؤولياتنا الكاملة. سلِّمونا كل شيء ونحن جاهزون لاستلام مسؤولياتنا كاملة.. غير هيك ما في». إلى ذلك، قدّمت قطر أمس مبلغ 50 مليون دولار إلى «وكالة الأممالمتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم» (أونروا)، بعدما تعهدت بذلك خلال المؤتمر الوزاري الذي عُقد في العاصمة الإيطالية روما منتصف الشهر الماضي.