أبعدت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها ديبلوماسيين روساً من أراضيها، في ما يشكّل أضخم عملية طرد جماعي أعادت إلى الأذهان «لعبة» التجسس بين الشرق والغرب، خلال «الحرب الباردة»، وسلّطت الضوء على ممارسة شائعة في عالمٍ خطر: زرع عملاء تحت عباءة ديبلوماسية. وشكّل إقرار مسؤولين أميركيين بارزين قبل يومين بوجود أكثر من 100 جاسوس روسي ينشطون على الأراضي الأميركية، صدمة، لا سيّما أنهم «متنكرون» بصفتهم الديبلوماسية. وستطرد السلطات 60 منهم، ما يعني أن حوالى 40 آخرين سيبقون قادرين على التحرك بحرية في واشنطن ومدن أميركية كبرى، ممثلين رسميين لوزارة خارجية بلادهم. وهنا تساؤل مفاده: إذا كان هؤلاء الديبلوماسيون جواسيس بالفعل، وإذا كانت واشنطن تعرف ذلك، فلماذا لا تطردهم كلهم؟ ويجيب خبراء أن التجسس، مع ما يتصل به من أمور غامضة ومضلّلة وغير قانونية، هو ممارسة «مقبولة» دولياً. ويضيفون أن كل الدول تتجسس على بعضها، وترسل غالبيتها، بل يمكن القول كلها، بينها الولاياتالمتحدة، جواسيس إلى دول أخرى، تحت عباءة «ديبلوماسية». وفي هذا السياق يلفت كريستوفر كوستا، المدير التنفيذي للمتحف الدولي للتجسس في واشنطن، وهو عقيد متقاعد في الجيش، الى أن «السفارات والبعثات الديبلوماسية استُخدمت لمئات السنين للتجسس على الخصوم». ويشير إلى أنه «لدى انكشاف أمر الجاسوس، يكون تتبّعه ومراقبته من بُعد أكثر فائدة من طرده»، اذ إن «لعبة القط والفأر تتيح معرفة مع مَن يتواصل محلياً، ومَن هو الضابط المشرف عليه». ويضيف كوستا سبباً آخر يمنع واشنطن من طرد كل عملاء أجهزة الاستخبارات الروسية «الديبلوماسيين» المعروفين لديها، وهو أنها شريكة في اللعبة أيضاً. ويقول: «حين تطرد دولة ممثلي دولة أخرى، يصير متوقعاً ومقبولاً أيضاً التعامل بالمثل»، ما يعني أنه كلما زاد عدد الجواسيس الروس المبعدين من الولاياتالمتحدة، ارتفع عدد الجواسيس الأميركيين المبعدين من روسيا. وأشار إلى أن موسكو سارعت الى طرد 35 ديبلوماسياً أميركياً عام 2016، رداً على طرد إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما 35 ديبلوماسياً روسياً. وتكرر الأمر هذا الشهر، حين أمر الكرملين بإبعاد 23 ديبلوماسياً بريطانياً، رداً على طرد لندن 23 ديبلوماسياً روسياً وصفتهم ب «ضباط استخبارات سريين». وعندما ترسل دولة «جواسيسها» إلى دولة صديقة، تبلغها بصفتهم الديبلوماسية، ودورهم في التواصل مع أجهزة استخبارات الدولة المضيفة، ما يشكّل تبادلاً مفيداً للمعلومات، عكس الحال مع دول معادية، كما بين الولاياتالمتحدةوروسيا، حيث تبقى مهمة التجسس سرية. ويلفت جون شيندلر، وهو مسؤول سابق في وكالة مكافحة التجسس الأميركية، الى أن «مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي) ومسؤولين في مكافحة التجسس يلتقون ويقوّمون كل ديبلوماسي روسي جديد يتولى مهماته في سفارة بلاده في واشنطن، أو قنصليتها في سياتل» التي أُغلقت أخيراً. ويضيف أن جمع معلومات عن بعضهم سهل، استناداً إلى مواقع خدمتهم السابقة، ومعلومات عنهم يسهل الحصول عليها من خلال المواقع الإلكترونية. وإذا تعذّر الأمر «يراقبون تحركاتهم، لمعرفة هل لديهم لقاءات سرية مع الناس؟ هل يستخدمون تقنيات لتجنب المراقبة»؟ ويشير شيندلر إلى مناصب في السفارات يشغلها جواسيس، مثل مسؤولي الأمن والمسؤولين السياسيين والمتخصصين في الاتصالات، والذين غالباً ما يعملون سراً على اعتراض مكالمات هاتفية أو اتصالات إلكترونية. وينبّه إلى قاعدة تعتمدها الولاياتالمتحدة، فلا تستخدم الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ومتطوعي بعثات السلام، غطاءً لنشاطها الاستخباراتي، لئلا تعرّض حياتهم لخطر. ويلفت شيندلر إلى ازدهار العمل الاستخباراتي تحت غطاء ديبلوماسي، خلال الحرب الباردة ولعبة التجسس بين الشرق والغرب، وانتشار آلاف الجواسيس في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، لا سيّما في أثينا وبانكوك وبيروت وبلغراد وبرلين والقاهرة وطهران وفيينا. ويتحدث عن تراجع مستوى التجسس بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، قبل عودته مجدداً، مع نزعة إضافية في الانتقام. وتؤكد الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن «هناك موظفين كثيرين من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي) ووحدة التجسس التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، يعملون تحت غطاء البعثة الديبلوماسية الأميركية» في روسيا، مشيرة الى انهم «يمارسون نشاطات لا تتطابق أبداً مع صفتهم الرسمية».