تعرضت «زقورة أور» في ضواحي مدينة الناصرية (350 كلم جنوب غربي بغداد) مرة أخرى قبل أيام، الى سقوط قذائف صاروخية كانت تستهدف قاعدة جوية تستخدمها القوات الأميركية وتقع في منطقة قريبة من الزقورة التي تعتبر أقدم معبد في بلاد الرافدين وبناها الملك أور نمّو عام 2050 قبل الميلاد. وفيما تكرر إطلاق الصواريخ خلال الأعوام الثلاثة الماضية على المكان التاريخي الذي يضم أيضاً مقام النبي ابراهيم (عليه السلام)، أعلنت القوات الاميركية خشيتها من «انهيار زقورة أور التاريخية نتيجة سقوط صواريخ في شكل مستمر بالقرب منها». وعلى رغم ان موقع الزقورة الأثري قادر على جذب الزوار من أنحاء العالم ويمكنه أن يكون مورداً اقتصادياً قوياً لمدينة الناصرية، فإن تعرضه للهجمات الصاروخية لم يواجه من الحكومة المحلية (محافظة ذي قار) والحكومة المركزية في بغداد بتوجه حاسم لجهة ضبط المجموعات المسلحة التي تطلق الصواريخ ويعتقد انها تتبع قوة متشددة. وتبدو سلسلة الهجمات على الموقع التاريخي هذا، متصلة بحوادث كثيرة تعرضت لها مواقع أثرية عراقية منذ حرب عام 2003، فالقوات البولندية ثم الأميركية استخدمت مدينة بابل التاريخية (وسط البلاد)، ما سبب خطراً جدياً على الآثار تمثل في ظواهر عدة ليس اقلها نهب بعض الجنود نفائس تاريخية لا تقدر بثمن، عرض الكثير منها للبيع في مزادات الفنون القديمة والانتيكات في أوروبا وأميركا. وجاءت هذه المؤشرات بعد صدور تقرير دولي يحذّر من أخطار جدية تواجه الآثار العراقية، ويرى ان «الصراع في العراق ومنذ 2003 أثّر سلباً، خصوصاً في تراث العراق الثقافي، مع النهب الذي تعرضت له المواقع المهمة والمتاحف. وكان تضرر متحف بغداد، وكذلك سلب جزء كبير من المجموعة التي لا تقدر بثمن... دلالة على ضرر أكبر لحق بمناطق متعددة من البلاد. كما تضررت متاحف أخرى موجودة في المحافظات، جراء نهبها ونتيجة عدم وجود صيانة». ويلفت تقرير «الشركاء الدوليون في العراق» وحمل عنوان «ملخص اوضاع العراق» الى ان «المواقع الأثرية تعرضت للتخريب، على رغم الجهود المبذولة من قوات الأمن العراقية والدولية للحفاظ عليها. وكثيراً ما تقوم القبائل المحلية برعاية المواقع، الا أنها لا تملك السلطة المطلوبة لإنفاذ قانون الآثار. وتوقفت عمليات الحفر التي أجراها سابقاً علماء آثار عراقيون بالتعاون مع مراكز دولية بارزة بسبب الظروف الأمنية في مناطق عدة. وبالنتيجة، تعاني غالبية المواقع حالاً من الإهمال والهجر». وفيما يوضح التقرير انه جرى «تهريب الكثير من القطع الأثرية عبر الحدود، فيما نجحت الحكومة العراقية في إقامة علاقات تعاونية مع شركاء اصدقاء لاسترداد بعض القطع الثمينة من الفن القديم»، إلا ان ما تم استرداده «ليس إلا جزءاً صغيراً من العدد الفعلي للقطع الأثرية الموجودة في الخارج». وفضلاً عن هذا الجانب الذي يعاني منه موروث العراق التاريخي، يبدو تناقص الخبرة قضية مهمة ايضاً، إذ إن الكثير من علماء الآثار البارزين غادروا البلاد، ولم تحدث عمليات كافية من نقل الخبرة لأجيال تالية من المعنيين بكنوز العراق التاريخية. ويوجه التقرير نقداً ضمنياً للإجراءات الحكومية العراقية، إذ «لم تخصص سوى موازنات محدودة للحاجات الفعلية لقطاع الحفاظ على الثقافة. كما ينبغي أن توفر الحكومة التمويل الملائم للعمليات والصيانة، ليس فقط لمتحف بغداد، ولكن للمتاحف في المحافظات أيضاً، وسيكون من المهم تخصيص موارد أكثر لحماية وإعادة تنشيط الآلاف من المواقع الأثرية التي يتباهى بها العراق. وينبغي على وجه التحديد زيادة عدد وحدات الحراسة الأمنية المخصصة لجهة العدد والقدرات، ما يسمح بتحسين الوضع الأمني في المواقع وباستئناف عمليات الحفر والصيانة، ومن الضروري توفير قاعدة بيانات موثوقة وشاملة للقطع الأثرية المفقودة. ومن الأساسي أن تتم زيادة وعي الحكومة في هذا الشأن، وذلك لتعاون أكثر فعالية مع بلدان ومنظمات دولية أخرى في ما يتعلق بطلب استعادة القطع الأثرية». وفيما تتواصل عمليات نهب الآثار العراقية من المواقع الفقيرة الحماية من جانب مجموعات عدة، تعلن السلطات الحكومية عن إلقاء القبض على افراد من تلك المجموعات وفي حوزتهم لقى أثرية كانوا يعتزمون تهريبها، فضلاً عن قيام الكثير من «المتجاوزين» على اراضي الدولة ببناء دور ومحال صناعية في مناطق تقع ضمن محرمات المواقع التاريخية، وهو ما ينبه اليه التقرير الدولي الذي يشدد على وضع «15 حظراً على بناء هيكليات حديثة قرب المواقع ذات الحساسية الثقافية، مع تحديد منطقة عازلة حول المواقع لا يمكن اختراقها».