اعتبر المفتي العام للسعودية رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء عبدالعزيز آل الشيخ، أن تعلل البعض بحق الولاية لضرب زوجاتهم وأبنائهم جهل وحماقة، ويدل على تأصل الشر في نفوسهم. وأكد أن «العنف الأسري» لا يورث إلا عنفاً وفساداً وإجراماً، وتحدث عن خمسة أسباب تجعل «العنف الأسري» أعظم الجرائم وأكبر الذنوب، كما حدد أربع وسائل للقضاء عليه. وأكد في تصريح صحافي أمس، أن العنف الأسري من الظواهر الخطرة، والمآسي الإنسانية التي بدأت تنتشر بين المسلمين، وتفرز كثيراً من مشكلاتها ومآسيها المحزنة وآثارها الضارة، التي تهدد حياة البشر وترابط الأسرة واستقرار المجتمع. وعرّف «العنف الأسري» شرعاً بأنه «ممارسة القوة أو الإكراه بطريقة متعمدة غير شرعية من فرد أو أكثر من أفراد الأسرة ضد فرد أو أكثر من الأسرة ذاتها، ويكون المجني عليه واقع تحت سيطرة الجاني وتأثيره، ما يلحق به الهلاك أو الضرر والأذى». وقال آل الشيخ: «ما يفعله بعض أرباب الأسر والأولياء من المعاملة القاسية، واتخاذ الضرب الشديد مسلكاً للتأديب وتقويم السلوك في كل صغيرة وكبيرة، وجعله أول الحلول، والتعلل بحجج واهية، والزعم بأن حق الولاية والقوامة يمنحهم ذلك، ويتخذون ذلك ذريعة للتستر على أعمالهم القبيحة، وتبرير أفعالهم الدنيئة، والخروج من تبعات أفعالهم المشينة، دليل على جهلهم وحماقتهم وتأصل الشر في نفوسهم». وأوضح أن الإسلام أعطى الرجل حق القوامة على المرأة، بما منحه الله وفضله من القوة والصبر، وزيادة العقل والدين، والجَلَد وتحمل المشاق، والمسؤولية في السعي والكدح والدفاع عن المرأة، وطلب الرزق، والإنفاق على المرأة، وقيادة سفينة الأسرة إلى بر الأمان، ورعاية شؤونها بالرفق والإحسان وتهذيب السلوك، مشدداً على أن القوامة والولاية ليست تحكماً وتسلطاً وقهراً واستبداداً بالرأي. ولفت إلى أن الإسلام لم يبح ضرب المرأة إلا في حدود ضيقة، إذ لم يرد الضرب صريحاً إلا في حال نشوزها، وجعل الضرب آخر الحلول، عندما لا ينفع الوعظ والمناصحة والهجر في الفراش، مشيراً إلى أن الإسلام حين شرع الضرب في هذه الحالات المحدودة، قيّده بأن يكون غير مبرح وغير ضارٍ، بل للتأديب والتنبيه على الخطأ، ولا يقصد منه التشفي والتسلط والإيذاء. وذكر أن أنواع العنف الأسري وأشكاله تعددت في هذا العصر وازدادت ضراوة، بسبب جهل وحماقة مرتكبيه، أو حب التسلط، وقلة الوازع الديني، وزيادة الضغوط النفسية والمادية، وكثرة مشكلات الحياة، وإرادة التشفي والانتقام، ونتيجة من نتائج العولمة الضارة، والتأثر بمشاهدة القنوات الفاسدة، وتقليد ما يشاهد فيها من العنف والإجرام، مشيراً إلى أن السلوك العدواني الناتج من العنف الأسري تختلف درجته وأنواعه، إذ قد يكون إيذاءً بدنياً أو معنوياً أو مالياً أو إشارة، وقد يكون إيذاءً جنسياً. وحدد خمسة أسباب تجعل العنف الأسري من أعظم الجرائم، وأكبر الذنوب والآثام، وهي أنه ظلم لعباد الله، واعتداء على حقوقهم وكرامتهم، وأنه سبب في انقطاع العمل الصالح بعد الموت، لأن العنف يورّث ضياع الولد، لما يسببه من اضطراب شخصيته، وإصابته بالإحباط والعقد النفسية، وينعكس ذلك سلباً على سلوكه وأخلاقه، ما يؤدي به إلى الفشل في الدراسة والحياة، والفرار من البيت، وقد ينتحر أو يقع في أحضان أصحاب المخدرات، والسباع الجائعة العطشى إلى هتك العفاف والحشمة والشرف، فيتأثر بأخلاقهم الفاسدة، ويكون عبداً فاسداً مجرماً عاقاً لوالديه، فلا ينتفعان به بعد موتهما. وتطرق إلى أن السبب الثالث هو أن مرتكب العنف عليه وزر من عمل به، لأن العنف لا يورّث إلا عنفاً وفساداً وإجراماً، فمن وقع عليه العنف لا بد من أن يمارس العنف مع أولاده. أما الرابع فهو أن العنف الأسري إفساد في الأرض، لما يسببه من أضرار عظيمة ونتائج مؤلمة محزنة، ومفاسد كثيرة على الفرد، والأسرة والمجتمع، إذ قد يؤدي إلى فقد الأرواح، أو فقد بعض حواس الإنسان أو أعضائه، ويقتل المواهب، فتكثر الأمراض العقلية والنفسية والجرائم والانتحارات، وتحصل العداوات بين أفراد الأسرة والمجتمع، ما يؤدي إلى تفكك الأسرة وتشردها وضياعها، فيؤثر ذلك في سلامة المجتمع، ويعوق تقدمه، ويسبب انحطاطه، وانهيار كيانه، وتأخره في جميع المجالات. ولفت إلى أن السبب الخامس هو أن العنف الأسري سبب للبعد عن رحمة الله، وموجب لسخط الله وعقابه وغضبه.