في بطولة العالم لألعاب القوى العام الماضي في لندن، أرسل العداء الأميركي كريستيان كولمان إشارات تنبئ بجدارته واستحقاقه أن يكون «الوجه المشرق» لسباقات السرعة في المواسم المقبلة، وذلك بعد اعتزال «الأسطورة» الجامايكي أوساين بولت، واقتراب مسيرة الأميركي جاستين غاثلين من نهايتها بسبب تقدّمه في السن. وفي مستهل الموسم الحالي، «الانتقالي» بين مونديال وأولمبياد ل «أم الألعاب»، حسم كولمان (21 سنة) الإشارات والرسائل بتسجيله رقماً عالمياً في سباق ال60 متراً (داخل قاعة) بلغ 6.34 ثانية، ثم فوزه بلقب السباق السبت الماضي في بطولة العالم التي أجريت في برمنغهام. حلّ كولمان ثانياً في مونديال لندن (5 آب) حاشراً نفسه في نهائي ال100 متر بين بولت وغاثلين الذي تقدّمه في الأمتار ال10 الأخيرة، فقدّم أوراق اعتماده رسمياً. كان كولمان في الثامنة من عمره عندما فاز غاثلين بلقب دورة أثينا الأولمبية عام 2004، فطُبعت صورة انتصاره في ذهنه، وراح يقلّده حين كان يسابق أقرانه في الحي. ولم يصدّق لما وجد نفسه إلى جانبه وبولت في لندن، لا سيما أنه أصبح عدّاء السرعة الوحيد الذي لم يخسر أمام الجامايكي (تغلّب عليه في الدورين نصف النهائي والنهائي في بطولة العالم)، غير أنه حتى الساعة لم يتجاوز غاثلين، لكن «الأيام آتية». كولمان، الطالب في جامعة تينيسي، يحترم شجاعة غاثلين وإصراره وتخطيه أياماً صعبة (أُوقف مرتين بداعي التنشّط). كما تعلّم أن يراقب منافسيه ويسمع جيداً النصائح ويعمل بها ويعتني بلياقته وصحته. باختصار تعلّم أن يكون محترفاً ونسيج ذاته في التصرّف و»الانفعال». حطّم كولمان قبل أسابيع رقم مواطنه موريس غرين القياسي لل60 متراً (6.39 ثانية)، إذ حسّنه ب5 أجزاء، وعُدّ ذلك تطوراً منطقياً لمن حقق 9.82 ثانية في ال100 متر، و19.85 ثانية في ال200 متر العام الماضي، فكان أسرع عداء جامعي، فضلاً عن أنه صاحب ال «غران شيليم» في سباقات السرعة (الفوز في ال60 وال100 متر داخل قاعة، وال100 متر وال200 متر في الهواء الطلق)، وهو إنجاز لم يدنُ منه من قبل إلا غاثلين نفسه. في ضوء ذلك، توسّمت «نايكي» خيراً في صعوده الصاروخي نحو القمة، وأبرمت معه عقداً مقداره مليون دولار، حاجزة قطعة من «كعكة» الوجوه الجديدة، على غرار رعاية «نيو بالانس» لترايفون برومل، و»بوما» لأندري دي غراس. غير أن الثروة الهابطة على كولمان لم تُفقده توازنه، بل عززت من حافزه ليترك أفعاله تتكلّم عنه، مقترنة بطموحه لأن يكون علامة فارقة جديدة، ويطبع مرحلته كما طبع بولت «المثير» الأعوام العشرة الماضية. ولد كولمان قبل أشهر من انطلاق دورة أتلانتا الأولمبية عام 1996، ألعاب لم يُتح لوالديه مشاهدتها على الطبيعة لأن حالتهما المادية لم تكن تسمح لهما بشراء تذاكر منافساتها. وبعد خمسة أعوام، سجلاه في برنامج رياضي لا صفّي، ولاحظ والده ستث أن سرعة الفتى واعدة، ويجب تنميتها وصقلها ليبرز في كرة القدم الأميركية، ما يخوّله الحصول على منحة جامعية. لكن القائمين على الاختبارات لم ينتقوه نظراً لقصر قامته (1.76 متر) مقارنة ب «مرشحين» آخرين. فتحوّل إلى جري المسافات القصيرة، مستغلاً سرعته، وحيث أن طول القامة لا يشكّل عائقاً، فكان مثالاً يحتذى لزملائه في مدرسة سيدة الرحمة في فايت فيل (ضواحي أتلانتا) تحت إشراف المدرّب مارك تولشر الذي صقله فنياً وتربوياً، فخصصت كأساً تحمل اسمه تمنحها سنوياً لأفضل رياضي فيها. واستثمرت جامعة تينيسي هذا التميّز، وقدّمت منحة دراسية لكولمان، فلم يخب ظنها، وبناء على طلبها وافق على إجراء اختبار سرعة على مسافة 40 ياردة (36.5 متر) المعتمدة لاختبارات سرعة لاعبي كرة القدم الأميركية، فحطّم الرقم القياسي (4.12 ثانية)، وردّ اعتباره أمام من استبعده يوماً وقلل من قدراته.