أصدر القاص محمد علوان مجموعة قصصية جديدة، بعنوان: «هاتف»، عن دار الانتشار العربي، بالتعاون مع نادي أبها الأدبي. ومن الملاحظ في هذه المجموعة أن محمد علوان، القاص المعروف، يكتب بلغة سردية بسيطة وعميقة في آن، رشيقة ومرنة، ولكنها بالغة الإنسانية. شخوص المجموعة القصصية، كأنما هي صور لأشخاص حولنا، نعرفهم جيداً ولم نتعرف عليهم، مررنا بهم ومروا بنا عابرين من دون أن نتوقف لأجلهم، أشخاص منسيون تماماً، ربما تصادف أننا صافحناهم في مواقف عابرة. ولكن علوان ببراعة القصصي التي تميز بها طويلاً خاض معهم معاركهم الصغيرة والكبيرة. تخصص صاحب «الخبز والصمت» في رسم حكاياتهم خلف الجدران وإن كانت عالية، ولكنه تسلل إليهم عبر أبوابهم ونوافذهم المواربة، ونقل الحدث القصصي بإبداع سردي بسيط ليلامس المشاعر في شكل مؤثر ومضامين إنسانية. محمد علوان يسكن الرياض، ولكن القلب يتجه جنوباً، فيسكنه الجنوب البعيد، وبوصلة قلمه تتجه إلى تلك القرى الصغيرة المترامية بين أحضان الجبال، وحين يكتب عنهم تبدو أحرفه وكلماته وكأنما ترقص «العرضة الجنوبية»، كلمات ترقص حافية بين بيوت القرى المنسية، تلك التي تعرف أسماء أشجارها وتشم رائحة ترابها، وقهوتها وأصوات المواشي في حظائرها، «حين خرج أهل القرية من مسجدهم الصغير المليء بهم وبأنفاسهم ورائحة العرق التي تنضح من أجسامهم لم يتأفف منهم أحد، فالرائحة واحدة مزيج من روائح الأرض والأعشاب والأشجار وأجساد الخراف والأبقار» (قصة نافذة مغلقة). لا تلبث أن تغادر القصة إلى أخرى، حتى تقابلك وجوه حميمة، «الجدة مزيغة بنت علي»، كانت كل شيء في القرية، لها ذلك الحضور الطاغي ولها تلك الحكمة الريفية التي ينحني لها الرجال، وحيث يقولون: «قالتها بنت علي» فإنهم يعنون ذلك تماماً» (قصة رائحة ثالثة). وغير بنت علي هناك الخالة عمرة، وأم أحمد وأم إبراهيم «تلك التي انقطع عنها كل شيء إلا إبراهيم، هذا الحلم الذي يمكن أن يمنحها الأمل والغناء، وطيوراً كانت ترقبها كلما حان موعد مرورها تارة للشمال أو الجنوب» (قصة رائحة الهيل). ولا يسعك إلا أن تتوقف قليلاً على «فائع» من قرية آل فرحان «حيث أقدم أهل القرية على غسله للمرة الأخيرة، صاحت زوجته وقد وضعت عصابة سوداء فوق المنديل الأصفر، صاحت بصوت هز أرجاء القرية: «عليكم الله، لا تغسلوه بالماء البارد فهو لا يحبه». (قصة الراكب). كل هذه الأسماء خاض علوان في يومياتها، وجعلنا ننغمس معها في أحزانها، وكأنما الحزن تبقى له نكهة جنوبية. مجموعة «هاتف» هي الإصدار الرابع لمحمد علوان، وسبق أن نشر ثلاث مجموعات قصصية، «الخبز والصمت» و«هكذا تبدأ الحكاية» و«دامسة»، وكانت بين عامي 1977 – 1998، لتأتي هذه المجموعة الجديدة بعد انقطاع عن النشر مدة 16 عاماً تقريباً. وحوت «هاتف» 21 قصة قصيرة، و16 قصة قصيرة جداً، وأهداها إلى رفيقة دربه فائزة المعلمي. أما صورة الغلاف فهي لابنته شذا محمد علوان.