الصحف ملأى بأخبار صلعة واين روني ومحاولاته إخفاءها. والرجل يكتشف أنه أصلع بعد أربع سنوات أو خمس من سقوط شعره فعلاً، والاكتشاف التالي هو أن الشعر لم تذره الرياح أو يسقط في الحمام، وإنما انتقل من رأسه الى أذنيه وأنفه. كل رجل يدعي أن الصلع لا يهمه يكذب، فالشعر صنو الشباب مع أن أصلعَ حاقداً قد يقول انه دليل الحمق، والدليل أن الحمار لا يصلع بل إن هناك شعراً على مؤخرته. في المعلومات الطبية أن الرجل يبدأ يفقد شعره في العشرينات، وأن ثلثي الرجال يصلع مع بلوغ الستين، أي قبل سن التقاعد. وقرأت أن هناك ألف شعرة في كل بوصة مربعة من الرأس قبل ان يبدأ الصلع، والعادة أن يفقد الرجل مئة شعرة كل يوم، وهو يعوض عن بعضها بنمو شعر بديل، وتستمر الخسارة مع تراكم سنوات العمر حتى لا يبقى شيء إلا في ما ندر. لا أكتب عن الصلع اليوم لأنكأ جراح القارئ الذي يكفيه نكد أخبار السياسة العربية يوماً بعد يوم، وإنما لأزف إليه بشرى قرب القضاء على الصلع، ففي الأسابيع الأخيرة، ومن دون طلب، قرأت تحقيقاً بعد تحقيق في صحف ومجلات غربية عن اقتراب الطب من تحقيق انتصار نهائي على خسارة الشعر ما قد يحل مشكلة جارنا الذي شكا من أن الريح لعبت بشعره عندما خرج من البيت، وقلت إن هذا جميل، ورد غاضباً ان الريح عبثت ب «الباروكة» وركض بين السيارات ليلتقطها. لن أثقل على القارئ بكلمات طبية فبعضها في طول ليل المريض، أو طول شعري وأنا أقلد «الهبيين» في الستينات، وإنما أنقل اليه عناوين مما قرأت، وبينها أن 90 في المئة من المشاهير في الغرب زرعوا شعراً أو يلبسون «باروكة». قرب نهاية السنة الماضية أعلن علماء في جامعة برلين للتكنولوجيا ان ملايين الرجال الذين نقص شعرهم فيما عمرهم يزيد سيستطيعون إعادة نمو الشعر من خلايا جذعية تنقل الى الرأس من أماكن أخرى في الجسم. وفي بداية هذه السنة أظهرت دراسة لجامعة بنسلفانيا ان الصلع ليس المتعارف عليه بين الناس، وانما هو ان الخلايا الجذعية تضعف وتنتج ما هو أقرب الى «الوبر» منه الى الشعر، وثمة وسائل لتقوية هذه الخلايا لتعود لإنتاج الشعر. وفي شباط (فبراير) الماضي أعلنت جامعة كاليفورنيا، في لوس أنجليس، انها حققت نتائج «مذهلة» بواسطة مادة كيماوية اسمها أسترسين بي نجحت في إعادة إحياء الشعر عن طريق إبرة (في الصلعة على الأرجح) لمدة خمسة أيام فقط. أصدق عندما أرى، وفي غضون ذلك أنهي «الدوش» كل صباح بالنظر الى أرض الحمام بحثاً عن الشعر المتساقط، وعادة ما أرى ثلاث شعرات أو أربع وأبكي عليها، وأذهب الى المكتب وقد «تعكنن» مزاجي، وأقرأ الأخبار العربية وأصاب بنكسة ثانية، من نوع نكسة 1967. وشكوت لابني الشعيرات المتساقطة كل صباح فنظر في أرض الحمام وقال: بابا، هناك أكثر من ثلاث شعرات أو أربع، هناك حوالى عشر شعرات، ولكن أنت لا ترى الشعرات البيض. قلت له: «الله يجبر بخاطرك على هذا الخبر»، يعني أنت أيضاً طمأنتني إلى أنني بدأت أفقد البصر مع الشعر، ولا عين تشوف ولا قلب يحزن. على كل حال ألف مرة شعر شايب ولا مرة أصلع، وأنا واثق من أن الشباب في جيل ابني لن يصابوا بالصلع لأن الطب سيكون قد قضى على الصلع بالضربة القاضية قبل أن يبلغ الواحد منهم الثلاثين، خصوصاً ان زرع الشعر تقدم كثيراً وأصبح يُزرَع شعرة شعرة وليس كتلاً كما في السابق. في غضون ذلك لا أدري ما إذا كان لكثرة الأخبار عن الصلع وعلاجه في الأسابيع الأخيرة علاقة بزواج الأمير وليام وكايت مدلتون، فقد لاحظت، كما لاحظ القراء، أن شعر وليّ العهد البريطاني خفيف، وتتخلله صحارى صغيرة، مع أنه دون الثلاثين. وأسأل هل يحتاج أمير وسيم في طريقه الى عرش بريطانيا أن يزرع شعراً؟ ثمة أشياء كثيرة عنده تعوض عن الشعر، لا يملكها صحافي مثلنا في طريقه الى مؤتمر صحافي عربي يقول الرئيس فيه إن ثورة الغضب ليست في بلاده، وإنما في البلد المجاور. الصلع الحقيقي، تلك الصحراء القاحلة، تحت عظم الجمجمة لا فوقها. [email protected] أدى خطأ تقني في عدد «الحياة» أمس إلى إعادة نشر مقال الزميل جهاد الخازن المنشور أول من أمس. «الحياة» تعتذر عن هذا الخطأ.