نقاط ثمينة    القبض على 32 مهربًا مخالفًا لأمن الحدود    طريف الأدنى في درجات الحرارة    الدعيلج ينال درجة الدكتوراه من كلية السياحة والآثار بجامعة سعود    ميداليتان لجامعة الباحة    أمير تبوك يعزي أبناء جارالله القحطاني في وفاة والدهم    "الحياة الفطرية" تؤكد: جراء الذئاب الرهيبة المعلن عن ولادتها مجرد ذئاب رمادية معدلة وراثيًا    رئيس مصر يؤكد ضرورة بدء إعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير سكانه    الإعلام الإيطالي يتحدث عن عرض الهلال لإنزاغي.. وموقف مدرب إنتر ميلان    حج 1446 الأخير في فصل الصيف لمدة 16 عاما    استعدادا للحج.. الداخلية تعلن إجراءات المحافظة على سلامة ضيوف الرحمن    واشنطن تقرّر إعفاء الهواتف الذكية والحواسيب من الرسوم الجمركية    تحت رعاية ولي العهد.. انطلاق مؤتمر مبادرة القدرات البشرية غدا    الصحة تدعو للمشاركة في أكبر فعالية مشي تُقام بالمملكة    بتنظيم من وزارة التعليم "زين السعودية" الراعي الرقمي للمعرض الدولي للتعليم (EDGEx)    انطلاق فعاليات معرض الشرق الأوسط للدواجن بنسخته الرابعة الاثنين المقبل بالرياض    "المنافذ الجمركية" تسجّل أكثر من 890 حالة ضبط خلال أسبوع    الاتحاد الآسيوي لكرة القدم يؤكّد استمرار دعم الاتحادات الوطنية والإقليمية    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. جائزة الملك فيصل تكرّم بعد غدٍ الفائزين بها لعام 2025    وفد البرلمان العربي يزور مكتبة البيروني في طشقند    الراجحي يتعرض لحادث في رالي باها الأردن    المؤتمر الصحفي لانطلاق الملتقى العالمي للورد الطائفي    تشكيل النصر المتوقع أمام الرياض    تجمع صحي دولي في أبوظبي يبحث تحديات الصحة العالمية    جيسوس لا يستسلم: فارق ال 7 نقاط ليس كبيرًا    ضبط (18669) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل في مناطق المملكة خلال أسبوع    فريق صُنّاع التميز التطوعي ينفذ مبادرة "عساكم من عوّادة" بالتعاون مع جمعية الإعاقة السمعية في جازان    "فيفا" يطرح تذاكر إضافية لمباريات كأس العالم للأندية في أمريكا    دعوى أمريكية تطعن في عقوبات ترامب على المدعي العام للجنائية الدولية    انطلاق فعاليات مؤتمر القصيم الأول لطب الأسرة    انزلاق طائرة بعد هبوطها واصطدامها بسور مطار فاس في وسط المغرب    اتحاد القدم يختتم دورة المحاضرين في الرياض بحضور 33 محاضراً ومحاضرة    FreeArc سماعات بخطافات للأذن    هرمون التستوستيرون عند النساء    الجاسر ريادة المعرفة والتنوير في قلب الجزيرة العربية    أمين منطقة القصيم يلتقي مدير مكتب جمعية الوداد الخيرية بالمنطقة    شركة "لسان الميزان – محامون ومستشارون" تستقبل الدكتور محمد بادغيش في جازان    قطاع ومستشفى ظهران الجنوب يُفعّل "التوعية بالقولون العصبي"    مستشفى أحد رفيدة يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي للصحة"    جامعة الأميرة نورة تمنح حرم خادم الحرمين الأميرة فهدة آل حثلين درجة الدكتوراه الفخرية في المجال الإنساني والأعمال الاجتماعية    مشروع الأمير محمد بن سلمان يُجدّد مسجداً عمره 13 قرنًا    في الخبر.."جوازك إلى العالم" تنطلق بالثقافة السودانية    الحياة الفطرية تُطلق 25 كائنًا فطريًا مهددًا بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    90 دولة تشارك بمهرجان الثقافات والشعوب    محافظ بيش ينقل تعازي سمو أمير منطقة جازان وسمو نائبه لذوي الطالب معاذ شيبة    محافظ الطوال يعزي أسرة المرحوم الشيخ عبدالرحمن بن حسين النجمي    «السمان».. زائر موسمي للشمالية    اعتبرها مراقبون ممارسة لإستراتيجية الضغط قبيل التفاوض.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على إيران    ولادة ظبي رملي بمحمية الأمير محمد بن سلمان    ولادة أول ظبي رملي لموسم ربيع 2025 في السعودية    الصين تنفي إرسال جنود للمشاركة في الحرب بأوكرانيا    الاحتلال يقتحم نابلس موسعا عدوانه بالضفة الغربية    حين يتصدع السقف    مملكة الخير وميلاد قطب جديد    الحسد    سطوة المترهلين في الإدارة    أمير حائل يستقبل رئيس الهيئة العليا للحج والعمرة بجمهورية العراق ووزير الحج والعمرة    النقل الإسعافي يستقبل 5 آلاف بلاغ بالمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تنزاح المدينة إلى خارج أسوارها
نشر في الحياة يوم 12 - 06 - 2011

مضى على اندلاع الثورة السورية قرابة الثلاثة أشهر، واتسعت رقعة الاحتجاجات لتشمل عديد المدن والقرى. ومقابل ما بدا تردداً من المدينتين الكبيرتين دمشق وحلب في الالتحاق بالركب، انخرطت حوران وأرياف دمشق وبانياس وحمص وحماه وإدلب وصولاً إلى جسر الشغور، وتعرضت لقمع دام استخدمت فيه الأسلحة الثقيلة والدبابات، ما حدا ببعض المحللين إلى استنتاج متسرع يرى الثورة تمرد أطراف على المركز، ويعطيها بعداً ريفياً يقابل حياد وتلكؤ المدن الكبرى بما تمثله من ثقل وتنوع وحضور للطبقة الوسطى.
لكن قراءة متأنية لمخاضات الثورة ومساراتها تشير إلى واقع أكثر تعقيداً وتركيباً من أن تنطبق عليه هذه الاستنتاجات المتسرعة. فالثورة حالة وطنية شاملة، ارتكزت، كبقية الثورات العربية، إلى استنهاض الشعب، ليس كمفهوم سياسي فقط، ولكن ككتلة سياسية فاعلة، لها مطالب واضحة تخص الجميع وترتبط بالإطار الوطني الجامع وبالمشاركة السياسية. وهذه كلها مفاهيم ترتبط وثيقاً بالدولة الحديثة وبمفهوم المدينة كفضاء سياسي ومختبر لتلاقح الأفكار وتبادل الخبرات وصوغ المبادرات. فليس غريباً أن تصاغ الشعارات الأولى للثورة من قلب دمشق، على يد ناشطين شبان ضمتهم المدينة على مختلف مشاربهم.
الثورة السورية، كبقية الثورات العربية، لا تقتصر على لحظة انفجار محددة بزمان ومكان معينين، لكنها مسار تصاعدي يمتد وفق زمنيته الخاصة ليشمل مناطق وأماكن جديدة. فالثورة التونسية انطلقت من سيدي بوزيد مروراً ببعض مدن الساحل والداخل، فإلى العاصمة. والثورة المصرية وجدت زخمها في بور سعيد، قبل أن تتجذر في القاهرة والإسكندرية. وما يبدو اليوم تلكؤاً لدمشق وحلب، قد ينقلب أية لحظة انخراطاً متسارعاً لهما. ولنا في حماه خير دليل على الكيفية التي قد تتسارع فيها الأحداث. فهذه المدينة الثكلى، انتظرت عشرة أسابيع قبل التحاقها، لا من باب التمرد الإسلامي المسلح كما في بداية الثمانينات، ولكن من باب الحرية والوطنية السورية والتحرك السلمي.
دخول حماه على مسار الثورة، وقبلها حمص وأدلب، وكلها مدن داخلية تقليدية تمتد بين دمشق وحلب، لا يشير فقط إلى احتمال وصول الاحتجاجات إلى المدينتين، ولكنه يبين قصور التحليل الذي يعتبر الثورة تمرداً للريف على المدينة، خصوصاً أن أرياف وقرى المدن الثلاث، حمص وحماه وإدلب، شاركت فيها وكانت الخزان الذي أعطى زخما للتجمعات الشعبية داخلها. ثم ان مدناً أخرى كدير الزور والبوكمال والقامشلي شاركت في الاحتجاجات على رغم اختلاف تركيباتها السكانية وابتعادها عن نموذج المدن التقليدية للداخل. وكاد الأمر يكون كذلك مع مدن الساحل كاللاذقية وبانياس وجبلة، لولا أن النظام لعب منذ البداية على وتر التوتير المذهبي، ما حد من الاحتجاجات، وإن فشل في نزع الطابع الوطني عن الشعارات والمطالب المرفوعة.
ولنتوقف عند خصوصية دمشق. فعلى عكس ما يُظن من أن المدينة تتمنع عن الثورة، فإنها لعبت منذ البداية، ولا تزال، دوراً محورياً فيها. وإذا كان هذا الدور لم يؤد إلى انخراط شرائح واسعة من سكانها، كما حدث لمدن أخرى، فلا شيء يجزم ببقاء الأمور هكذا.
أعطت دمشق، ومن قلب مركزها الاقتصادي في حي الحريقة، أول مؤشر ملموس الى أن سورية لن تبقى خارج مسار الثورات العربية. حدث ذلك بتاريخ 17 شباط (فبراير) 2011، والثورة المصرية لم تنتصر بعد، عندما اندلع أول تحرك عفوي لمئات الشبان في الحريقة للاحتجاج على ضرب الشرطة واعتقالها أحد أبناء المنطقة. وبدا واضحاً البعد السياسي للتحرك عبر الصيحات التي ارتفعت تنادي بالشعار الذي سيغدو اللازمة الأهم للثورة «الشعب السوري ما بينذل»، وكانت هذه أول مرة تذكر فيها كلمة «شعب» كتعبير سياسي يواجه السلطة، ما دفع بوزير الداخلية للقدوم سريعاً إلى المكان من أجل التوسط لفك الاعتصام. ثم أتت سلسلة اعتصامات تضامنية نفذتها مجموعة ناشطين شبان أمام سفارتي مصر وليبيا في دمشق وفُرّقت كل مرة بالقوة، وأعقب ذلك اعتصام ناشطات وناشطين في ساحة المرجة أمام وزارة الداخلية تضامناً مع إضراب المعتقلين السياسيين، وقد جرى قمعه بالقوة واعتقل العديد من المشاركين.
لم تمض أيام قليلة على هذه التحركات، حتى انطلقت الثورة رسمياً في 15 آذار (مارس) من قلب دمشق دون غيرها، فلبّت ثلة شبان نداءات وجهت على «فايسبوك»، وخرجوا يتظاهرون مجموعات صغيرة في الحميدية وصولاً إلى حي الحريقة. وبعد ثلاثة أيام ابتدأت أجندة ايام الجُمع فخرجت التظاهرات من الجوامع في عدة مدن في «جمعة الكرامة» في 18 آذار، وكان للجامع الأموي نصيب الأسد سواء لأهمية الشعارات الوطنية الجامعة التي رفعت تحت قبته أو لشدة القمع الذي استهدف المتظاهرين داخل حرمه. ولا يخفى البعد الرمزي الكبير لهذا الجامع (الكاتدرائية والمعبد سابقاً)، كقدس أقداس المدينية الشامية، فكيف إذا رفع الشبان داخله الهلال والصليب ونادوا للحرية.
لقد نجحت السلطة في الأسابيع التالية، في إبعاد الاحتجاجات عن الجامع الأموي، وأغلقت بقوة الحديد والنار ساحات دمشق العامة في وجه المتظاهرين، كما حدث في المناطق المحيطة بساحة العباسيين حيث سقط عشرات الشهداء. لكن التظاهرات امتدت إلى بعض أحياء دمشق الشعبية كالميدان وركن الدين وشملت معظم قراها وضواحيها، والتي لا تزال عصية على القبضة الأمنية. ومن يعرف خصوصية التداخل والتكامل بين دمشق وغوطتها وريفها القريب، حيث يقيم العديد من سكانها، يدرك أن دمشق الحقيقية، التي تتقطع أوصالها بالحواجز الأمنية عشية كل نهار جمعة ويمنع سكان ضواحيها من الدخول إليها، إنما تتظاهر وترفع شعاراتها وتعبّر عن مدنيّتها، خارج الأسوار، بعدما أحكمت الدولة البوليسية قبضتها على المجالات العامة داخلها.
لقد قضت الدراسات الأكاديمية الرصينة التي تناولت تاريخ الدولة السورية الحديثة، بأن توضع «المسألة الفلاحية» في صميم الصراع على السلطة وتشكّل النخب. ونستطيع اليوم أن نغامر ونقول إننا أمام «المسألة الفلاحية» بالمقلوب، أو لنسمّها «المسألة المدينية»، أي أمام نخب حاكمة جديدة ذات أصول ريفية بعيدة، نشأت وترعرعت داخل المدينة ودخلت في تحالف عضوي مع نخبها الاقتصادية، وسرعان ما شكل الطرفان إقطاعاً سياسياً واقتصادياً من نوع جديد، نما وترعرع على حساب الدولة وقطاعها العام، واحتكر لنفسه مصادر الثروة والسلطة، بعيداً من اي توزيع عادل للدخل وبمعزل عن الريف والطبقات الوسطى المدينية. وبالتالي فنحن أمام ثورة وطنية تجمع فقراء المدن والأرياف إلى أبناء الطبقة الوسطى، للمطالبة بالحرية والمشاركة السياسية والتقاسم العادل للثروة. وأين لهذه المطالب أن تتحقق ولهذا الصراع أن يحسم إلا في المدينة؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.