يدرك الجزائريون أن الأوضاع الأمنية التي تعيشها منطقة شمال أفريقيا، بخاصة منها مصر وتونس، والتي أدت إلى انهيار السياحة فيهما لم تكن لتشكل «مصدر رزق للجزائر» التي وعلى رغم إمكاناتها السياحية الضخمة إلا أن آثار العشرية السوداء ما زالت تعيق تطور السياحة فيها وتجعل منها وجهة مكلفة للجزائريين أنفسهم. وهذه التكلفة كانت تترجم «نزوحاً سياحياً»، لأكثر من مليون ونصف مليون جزائري نحو تونس قبل الأحداث الأخيرة التي أثنتهم عنها هذا العام. وكانت تونس تحولت خلال السنوات الماضية، إلى بلد بديل للجزائريين في كل صيف، ويقول محمد الموظف في شركة النقل البحري: «كل شيء كان متوافراً، الأمن والمعاملة المثالية وأماكن التسلية والترفيه وفنادق بتكاليف تبقى ضمن إمكانات العائلة الجزائرية المتوسطة». وتعتبر سمية أن تونس كانت فرصتها للتغيير: «كنت ألتقي العديد من الجزائريين في تونس ولكنهم هناك يبدون أكثر تحرراً وراحة مع أنفسهم والآخرين، ما كان يتيح لي تمضية وقتي بعيداً من الضغوط». ويُجمع الجزائريون على أن الحال غير المستقرة التي ترزح تحتها «الجارة» و «الملجأ السياحي الأول» للعائلات والجزائريين على اختلاف أوضاعهم الاجتماعية، أدت إلى إعادة النظر في وجهة الإجازة الصيفية. ولم تفلح بلدان مثل مصر والمغرب وتركيا في منافسة تونس على الجزائريين، خلال السنوات الماضية، لأسباب متعددة تبدأ بسهولة تنقل العائلات إليها براً ولا تنتهي بنوعية المنتوج السياحي التونسي الراقي وتكاليفه المعقولة. أما مصر التي عرفت نمو حركة سياحية جزائرية نحوها خلال الفترة التي سبقت الأزمة بين الشعبين بسبب كرة القدم فتبقى في الدرجة الثانية وبفارق كبير عن الأولى نظراً الى التكاليف الإضافية التي يفرضها التنقل عبر الطائرة ناهيك بالمشاكل الأمنية بعد الثورة المصرية الأخيرة والتي أضافت سبباً آخر للعزوف عن هذه الوجهة. وإذا كانت تركيا تستهوي الجزائريين كثيراً فهي تبقى أكبر من إمكانات عائلة متوسطة الحال أمام حديث أصحاب وكالات السفر الجزائرية عن زيادات في عدد الحجوزات نحوها هذا العام. ولن تتمكن مملكة المغرب من أن تحل مشكلة الراغبين في السياحة وإن كانت تعتبر الرديف الأمثل لتونس بفعل السمعة السياحية العالمية وتقاسم الحدود البرية على الجانب الغربي للجزائر، إلاّ أن استحالة ذلك يعود لاستمرار إغلاق الحدود بقرار من السلطات الجزائرية منذ عام 1994 والذي يُجمد العملية إلى أجل غير مسمى. وهي ترفض اليوم فتحها على رغم المساعي المغربية من أجل دفع الجزائر إلى التراجع عن قرارها الذي أتى على التنمية في المناطق الشرقية للمغرب. تونس بانتظار سياحها! وفي ظلّ الواقع المتأزّم، أطلقت السلطات التونسية حملة إعلامية واسعة من أجل استقطاب السياح الجزائريين هذا الصيف. ونظم ديوان السياحة التونسي رحلات إرشادية لمتعاملي السياحيين والصحافيين الجزائريين إلى تونس. وأعلن وزير السياحة التونسي مهدي حواس أن خطوطاً بحرية فُتحت بين البلدين للسياح. ونقل موقع «المغربية» أن الحكومة التونسية تعتزم إطلاق حملة إعلامية أخرى بموازنة تقدر بستين مليون دينار لاسترجاع السياح الجزائريين الذين فقدت أكثر من ثلثهم خلال شهرين. ويمثل الجزائريون ثاني أهم سوق سياحية بعد الليبيين لجهة العدد إذ كان يتوافد ما يقارب ستة آلاف شخص عليها يومياً براً، أي حوالى 85 في المئة من الزائرين الذين يمثلون حوالى ثلثي السياح الجزائريين في الخارج. وأصدرت وزارة السياحة التونسية تقريراً صنّفت فيه السائح الجزائري في خانة السائح الأكثر إنفاقاً، بمعدل 500 دولار أميركي أسبوعياً وقد حقق لها ذلك مداخيل وصلت الى 350 مليون دولار في السنة. ويشكو عملاء سياحيون جزائريون وأصحاب وكالات سياحية من أن قوائم الحجوزات في تونس لا تزال فارغة، من دون أن يهملوا انتقاد ارتفاع أسعار الفنادق هذا الموسم في شكل يتعارض والمجهودات التي تبذلها الحكومة التونسية لاستقطاب السائح الجزائري. ويعزون ذلك إلى رغبة المتعاملين التونسيين في تعويض الخسارة التي لحقت بهم خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي. الجنوب الجزائري لا يستهوي السياح ولم يستبعد الخبير في التسيير السياحي والفندقة في الجزائر، مراد كزار، أن تتعرض الوكالات السياحية الجزائرية العاملة في الجنوب للإفلاس إذا استمرت الأزمة الأمنية في منطقة شمال أفريقيا. ويوضح: «الوكالات السياحية في هذه المنطقة أقل حظاً من وكالات الشمال لأنها تعتمد أساساً على سياحة الأجانب، وكانت تستفيد من استقرار دول الجوار للعمل معهم على رغم ما كان يتداول حول الخطر الإرهابي في الصحراء الجزائرية». ويضيف: «المشاكل في تونس وبخاصة في ليبيا لا تشجع الأجانب اليوم على القدوم». وبعيداً من الهاجس الأمني يقول كزار: «أسباب كثيرة أضعفت موسم اصطياف العائلات هذا العام، أولها حلول شهر رمضان في شهر آب (أغسطس) المقبل وتقليص فترة العطلة إلى شهرين، وجاء قرار وزير التربية تمديد الدراسة إلى شهر حزيران (يونيو) ليزيد من تقليص تلك المدة. ولذلك يتوقع المختصون موسم اصطياف ضعيفاً على رغم أن عدد «نوايا الحجز» على مستوى مختلف الفنادق في المدن الساحلية الجزائرية لم يختلف عن العام الماضي. ويشير إلى أن الكلام عن النقص في المرافق الفندقية الجزائرية لاستقطاب المليون ونصف مليون سائح جزائري المعتادين على السفر إلى تونس «بلا معنى»، مؤكداً أن المرافق تكفي ولكن «حوالى 70 في المئة من هؤلاء السيّاح الجزائريين لا يقيمون في الفنادق في تونس، وإنما يستأجرون شققاً وفيلات طوال مدة إجازتهم، ولا تتوافر في المدن السياحية الجزائرية مثل هذه الرفاهية ما يفسر غياب وجهة سياحية تستهوي هؤلاء».