بعيدا عن منابر السياسيين ، ومكاتب الأحزاب والجمعيات المدنية ، تتكاثف منذ قرابة الشهرين في الشارع الجزائري دعوات التضامن مع جيران الشرق مع أهل " ماما تراكي " هذه الممثلة التونسية الشهيرة التي دخلت البيوت الجزائرية كلها عبر شاشة التلفزيون منذ السبعينيات وظلت إلى اليوم واحدة من علامات تونس بامتياز ، تناشد الجزائريين لقضاء عطلة الصيف في تونس بمدنها الجميلة بالحمامات وسوسة وطبرقة وهرقلة ومهدية ، مدن يتكامل جمالها مع سحر الساحل البحري الجزائري الممتد على أكثر من 1200 كلم . عبارة واحدة تجري على ألسنة الجزائريين بالأخص أولئك الذين تفصلهم عن الشقيقة تونس حدود رفيعة من قاطني محافظات تبسة وعنابة والطارف والقالة ، " نصّيفو ونبّحرو في تونس " أي " صيفنا هذا العام في تونس " عبارة وصلت المناير الافتراضية الجديدة للتعبير ، شبكات التواصل الاجتماعي الفيسبوك وتويتر وماي سبيس ، يتداولها الشباب الجزائري لحث بعضهم البعض على إقناع ذويهم لتغيير وجهة هذا العام الصيفية إلى تونس تقديرا لنظرائهم هناك من مفجرّي بل صانعي ثورة الياسمين وحاجة هؤلاء إلى دعم الجيران في مرحلة ما بعد سقوط نظام بن علي في بلد تعد السياحة شريان الاقتصاد بل القطاع الحيوي والاستراتيجي الأول فيه . واحة «توزر» بجنوب تونس وتدعّمت دعوات الشباب الجزائري عبر الفيسبوك ، وعدد كبير من هؤلاء غيّروا البروفايل والصور والصفحات الشخصية إلى مناظر سياحية تونسية على رأسها مناظر لميناء القنطاوي ( مارينا قنطاوي ) في محاولة للفت الانتباه إلى المقصد السياحي التونسي ، تدعّمت بحملة ترقوية سياحية واسعة أطلقتها منذ شهر أبريل / نيسان الماضي وما تزال مستمرة إلى الآن في الجزائر وزارة السياحة التونسية ممثلة في الديوان الوطني التونسي للسياحة بالتنسيق مع وزارة السياحة في الجزائر لتشجيع الجزائريين على قضاء الصيف في تونس وهذا ضمن إستراتيجية سياحية تونسية تراهن على استقطاب نحو 500 ألف سائح جزائري خلال الشهرين الأولين لموسم الصيف أي يونيو ويوليو لمواجهة الانخفاض المحسوس لتوافد السياح الذي وصل نسبة 35% منذ بداية العام 2011 حسب أرقام المسؤولين التونسيين . وتستوقف المتجول في شوارع العاصمة الجزائر وكبريات عواصم البلاد في الغرب والشرق منذ نهاية مايو/ آيار الماضي عشرات اللافتات الإشهارية السياحية التي صمّمها الديوان الوطني التونسي للسياحة تعرضها شاشات إشهارية ضخمة ملونة تقترح على الجزائريين أهم المقاصد السياحية التونسية مرفوقة بشعارات مغرية تتصل بالخدمات والاستقبال والأسعار التنافسية وانخرط التلفزيون الجزائري في الحملة السياحية التونسية الترقوية من خلال عرضه في ساعات الذروة لقطات إعلانية تعزّز الوجهة السياحية التونسية بطلب من الديوان التونسي للسياحة ومثله خصصت الصحف المحلية صفحات إعلانية ملونة تدعو الجزائريين إلى التوجه إلى تونس لقضاء عطلة الصيف حيث كانت وسائل الإعلام الجزائرية ضمن أهم أهداف الإستراتيجية السياحية الترقوية التونسية في الجزائر إذ تلقى قرابة 50 صحفيا جزائريا دعوات من الديوان الوطني التونسي للسياحة تنقلوا خلال شهري أبريل ومايو إلى تونس لإنجاز روبورتاجات حول السياحة والوضع الأمني الداخلي لطمأنة السائح الجزائري وإطلاع العائلات الجزائرية على مختلف العروض والخدمات والتسهيلات المالية . وبقدر تضاعف حملات التشجيع في الجزائر على المقصد السياحي التونسي يتخوف قطاع كبير من الجزائريين من الوضع الأمني الذي أعقب ثورة الياسمين وحالة التململ الحاصلة داخل البلاد بين مختلف قِواه الحية ، ويقف الشعور بالخوف وراء ارتباك القرار لدى الكثيرين للذهاب أم لا إلى تونس لقضاء عطلة الصيف خاصة وأن الجزائريين ملّوا حالة اللاستقرار الأمني التي مرت بها الجزائر لأزيد من عقدين ولا يريدون الإحساس بالرعب و الترويع في أي مكان آخر ويبدو أن مسؤولي السياحة في تونس مدركون لهذا الجانب وهو ما تعكسه حملتهم الإشهارية الترقوية في الجزائر التي تركّز كثيرا على عامل التخفيضات والتسهيلات على مستوى المطارات ونقاط العبور الحدودية والاستقرار الداخلي بل راح جانب من الحملة الترقوية يقترح على الجزائريين عروضا خاصة برمضان تستجيب لتقاليد الأسر الجزائرية خلال الشهر الكريم . واستقبلت الجزائر ضمن مخطط ترقوي تونسي للسياحة معرضين كبيرين للسياحة واحد في مدينة وهران ( 450 كلم إلى الغرب ) والثاني في العاصمة الجزائر في الفترة الممتدة من 12 و 21 أبريل / نيسان المنصرم ، وأورد مسؤولون تونسيون في قطاع السياحة على هامش المعرضين أرقاما تتحدث عن تخصيص ميزانية قدّرت ب 700 ألف دينار تونسي لتفعيل المخطط الترقوي السياحي في الجزائر على مستوى الصحافة ومواقع الأنترنت والتلفزيون . وذكّر المسؤولون أن بلادهم عن تستقبل عادة 2 مليون ليبي و 4 ملايين أوروبي من بينهم 1.4 مليون فرنسي وأن السوق الجزائرية التي تعدّ لوحدها أزيد من مليون جزائري توفر لتونس ما بين 400 إلى 600 مليون دينار تونسي كمداخيل سياحية سنوية . ولم يخف هؤلاء أن الرهان قائم هذه السنة على السياح الجزائريين على خلفية الوضع الليبي الداخلي وتردد السائح الغربي في الذهاب إلى تونس وتزامن شهر رمضان المعظم مع موسم الاصطياف وهي كلها عوامل تلقي بظلالها سلبا على نسبة التوافد على تونس هذا العام .