يتزايد إقبال السياح المغاربيين على زيارة تونس، لكن ليس فقط للاستجمام وتمضية الإجازات مع الأهل، وإنما للعلاج أو إجراء عمليات جراحية دقيقة أيضاً. واستقبلت تونس 162 ألف سائح أتوها في السنة الماضية لإجراء جراحات متخصصة في العظام والقلب والشرايين والعيون والأسنان، فيما أظهرت إحصاءات رسمية أن 200 ألف سائح زاروا البلد في إطار السياحة الاستشفائية والعلاج بمياه البحر. وحلت تونس ثانية في هذا المجال عالمياً بعد فرنسا. وأفاد الدكتور منجي حسونة، وهو مسؤول في وزارة الصحة، أن الزوار الذين يفدون إلى البلد من أجل العلاج ينتمون إلى جنسيات مختلفة، وفي مقدمهم الليبيون، فيما أتى الجزائريون في الرتبة الثانية والموريتانيون في الثالثة، إضافة إلى آلاف الأوروبيين. وعزا حسونة الإقبال على مشافي تونس إلى ثلاثة أسباب رئيسة تتمثل بمستوى الكفاءات الطبية التونسية وكثرة المصحات الخاصة وقرب البلد من أوروبا. وتعمل حالياً 40 وكالة سفريات في قطاع السياحة الصحية، فهي تسهل على الزائر اختصار الإجراءات بدءاً من شراء بطاقة السفر إلى النقل والسكن للمريض ولأفراد أسرته الذين يرافقونه. وبالنظر الى الحجم الذي يدره استقطاب هذه الفئة الميسورة من السياح، أعدت وزارة الصحة التونسية خطة لتعزيز هذا القطاع والترويج لخدماته في الأسواق الدولية، خصوصاً الأوروبية، مع التركيز على توافر المعايير الدولية في المراكز الاستشفائية المحلية. وتوقع فرج دواس مدير عام «الديوان الوطني للمياه المعدنية» أن تصبح تونس قطباً لتصدير الخدمات الصحية في أفق 2016. وقال ل «الحياة» إن أحد أضلاع استراتيجية تطوير القطاع يُركز على تكثيف المشاركة في المعارض الدولية للتعريف بالمنتوج السياحي المحلي وضمان وصوله إلى مناطق مختلفة. وفي هذا الإطار شارك عارضون تونسيون في عدد كبير من معارض مراكز العلاج بمياه البحر في فرنسا، خصوصاً في إطار فعاليات صالون «سنيور» أواخر آذار (مارس) الماضي. وطلبت السلطات من جميع مراكز العلاج المحلية السعي للحصول على شهادة المطابقة للمواصفات العالمية، بالنظر إلى أن بعض السياح يشترط نوعية معينة من الخدمات، ما يساهم في نهاية المطاف بتطوير القطاع. وأفيد أن خمسة مراكز تونسية حصلت على تلك الشهادة فيما العشرات من المراكز في طريقها إلى الحصول عليها، ويتم إسنادها بواسطة مكاتب عالمية تُرسل خبراء وموفدين منها للتثبت من جودة الخدمات. وسعياً الى تنشيط الإقبال، يجري حالياً درس آليات جديدة للتمويل بينها إمكان تكفل الصناديق الاجتماعية في بلد السائح بنفقات العلاج. وفي المقابل يجري إعداد اشتراعات جديدة ترمي لتعزيز مراقبة الخدمات في المراكز ووضع شروط تتعلق بتكوين العاملين في القطاع ومستوى التجهيزات ونوعية الخدمات المقدمة للزبائن. وأظهرت الإحصاءات تزايد الإقبال على العلاج بمياه البحر خلال الأشهر الأولى من العام الحالي ما يؤشر إلى تعزيز نسبة توافد السياح على الخدمات الاستشفائية خلال هذا العام قياساً على العام الماضي. تجاوز السياحة التقليدية ويمكن القول إن التونسيين وضعوا السياحة الإستشفائية في مقدم أولوياتهم للمرحلة المقبلة، بعدما وصلت السياحة التقليدية إلى أقصى ما يمكن أن تُعطيه للبلد، إذ ينتشر في جميع الأوساط المعنية بالسياحة شعور عام بأن السياحة التقليدية التي انطلقت قبل أكثر من نصف قرن وصلت إلى مداها الأقصى ولم تعد تدر على البلد الإيرادات التي هو قادر على تحقيقها إذا ما نوّع المعروض السياحي، أسوة بالبلدان المتوسطية الأخرى. وظلت السياحة في المنتجعات التونسية، خصوصاً الحمامات وسوسة وجربة، نشاطاً موسمياً طيلة عقود، إذ اقتصرت على الأوروبيين الذين يأتون صيفاً لتمضية إجازاتهم على البحر والاستمتاع بالشمس والطبيعة الخلابة. وما زال كثير من الفنادق يُقفل أبوابه في الشتاء لقلة الزبائن. وفي الوقت نفسه استطاعت بلدان أخرى مثل تركيا ومصر واليونان والمغرب تنويع الفئات المستهدفة، فطورت السياحة الثقافية ووسعت سياحة المؤتمرات وعززت بنية السياحة الاستشفائية... وكانت النتيجة أن لحقت تلك البلدان بتونس وتقدمت عليها من حيث الإقبال السياحي. ففي 1982 استقبلت تونس ما لا يقل عن مليون و300 ألف سائح، فيما استقبلت مصر مليوناً فقط وتركيا مثلها. أما اليوم فلا يستقبل التونسيون أكثر من 7 ملايين سائح في السنة، في مقابل 12 مليوناً لمصر و27 مليوناً لتركيا. وحفز هذا التراجع على وضع خطط لتنويع المعروض السياحي وكسر طوق السياحية البحرية الذي كبل القطاع طيلة عقود. وأسفرت تلك الخطط عن تطوير سياحة المؤتمرات التي ساعدت في إبقاء كثير من الفنادق مفتوحة في الشتاء، مُستقطبة أعداداً كبيرة من المشاركين في المؤتمرات الطبية والاقتصادية والثقافية، إضافة إلى المهرجانات الكثيرة المتخصصة بالسينما والتراث والموسيقى. وفي السياق نفسه توسعت السياحة الاستشفائية التي كشفت عن خصوبة المخزون المحلي غير المستثمر إن كان من الأعشاب والأملاح البحرية أو الينابيع الجبلية السخنة والغنية بالمعادن. وسرعان ما اكتشف التونسيون أن الاهتمام بهذا الفرع السياحي طيلة أقل من عشر سنوات قادهم إلى المرتبة الثانية عالمياً من حيث عدد السياح المقبلين على الخدمات الصحية. آليات جديدة للتمويل وفي هذا السياق باشر التونسيون تهيئة 11 منطقة سياحية بتونس ستخصّص لبناء قرى خاصّة بالأسر الجزائرية، آخذين في الاعتبار خصوصيات السيّاح الجزائريين الذين يحتلّون المرتبة الثالثة بعد الليبيين والفرنسيين، إذ زاد عددهم في السنوات الأخيرة قياساً على التسعينات، ووصل إلى مليون سائح في السنة، فيما تجاوز متوسط عدد الليبيين الذين يزورون تونس مليوني سائح في السنة. وبعدما استطاع التونسيون استقطاب الجزائريين من سكان المحافظات الشرقية القريبة من بلدهم، والذين تأتي أكثريتهم براً، ركزوا في الفترة الأخيرة على استقطاب سكان المحافظات الغربية وعاصمتها وهران، إذ تمّ تخصيص رحلتين جويّتين في الأسبوع من وهران نحو تونس، الأمر الذي وصف ب «الدفعة القويّة» للسياحة الجزائرية في تونس. إلا أن العاملين في القطاع السياحي ينتقدون ضعف الاعتمادات المخصصة للترويج، والتي يعتبرونها غير كافية لتحقيق الأهداف المحددة. ورأى بعض أصحاب الفنادق أن الموازنة المخصصة للترويج للوجهات السياحية، ومن ضمنها مراكز السياحة الاستشفائية، غير كافية واستدلوا بأن تونس خصصت في 2009 نحو 27 مليون يورو للترويج السياحي في مقابل 49 مليوناً للمغرب و82 مليوناً لتركيا. وكانت النتيجة بحسب عادل بوصرصار رئيس المجموعة الفندقية «المهاري» أن تونس استقطبت العام الماضي 7 ملايين سائح فقط، فيما توافد على المغرب أكثر من 8 ملايين سائح، وزار 26 مليون سائح تركيا. وحض على إعداد خطة ترويجية للفترة المقبلة تُركز على الأسواق التقليدية (فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، وإسبانيا). وعلى رغم الإنفاق على التعريف بميزات السياحة، ما زالت تونس تخسر حصصاً من السوق، بسبب المنافسة الآتية من الوجهات السياحية الأخرى التي تخصص موازنات أكبر لحملاتها التسويقية في الخارج.