أربع زعامات سياسية على الأقل خاضت أحزابها منافسات انتخابات البلديات في المغرب أمس على إيقاع ساخن وتحديات كبيرة، وفيما يتوق رئيس الوزراء عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال، إلى الحفاظ على موقع حزبه في قيادة الائتلاف الحكومي ومعاودة استنساخ الموقع المتقدم الذي حازه في بلديات 2003، يسعى غريمه الجديد الوزير السابق المنتدب في الداخلية فؤاد عالي الهمة مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة إلى أن يضفي على خروجه من دعم الائتلاف الحكومي بُعداً سياسياً يقلب معادلات كثيرة، رغم الطابع المحلي لاقتراع البلديات الذي خاضه وعيون حزبه تتطلع الى استحقاقات 2012، وفي أقل تقدير تأمين نفوذ سياسي داخل الغرفة الثانية في البرلمان (مجلس المستشارين) ما قد يضيّق الخناق على الغالبية النيابية التي تساند حكومة الفاسي، خصوصاً أن مجلس المستشارين يملك صلاحية سحب الثقة من الحكومة بعد توجيه انذار اليها. مثل الفاسي والهمة يدخل الاتحاد الاشتراكي بزعامة وزير العدل عبدالواحد الراضي أول امتحان منذ المؤتمر الأخير للحزب تحت شعار معاودة الاعتبار إلى هذا الحزب الذي فقد بريقه في الانتخابات الاشتراعية الأخيرة، وإن كان الراضي لم يستسلم لضغوط قواعد الحزب التي الحّت عليه للخروج الى المعارضة، لكنه حافظ على تحالفه مع الاستقلال. بيد أن قيادياً رابعاً هو زعيم «العدالة والتنمية» عبدالإله بن كيران الذي وصف بأنه يقود «تيار الاعتدال» في الحزب الإسلامي، يتطلع بدوره إلى أن تقترن زعامته بتحول في مسار الحزب، أقله الافساح في المجال أمام تحالفات محتملة يمكن أن تقوده لاحقاً نحو المسؤولية الحكومية بأقل قدر ممكن من الخسائر «الشعبية». إلى جانب هذه الزعامات يبدو أن رئيس مجلس النواب زعيم تجمع الأحرار لا يخالجه الندم ازاء فك ارتباطه عن «الأصالة المعاصرة» لدى اختيار الأخير الخروج الى المعارضة، فالحزب الذي انبثق من أحضان الإدارة في نهاية ثمانينات القرن الماضي استطاع أن يجد لنفسه موقعاً بين ظلال الكتلة الديموقراطية لدى انتقالها إلى الحكومة العام 1988 بقيادة الزعيم السابق للاتحاد الاشتراكي عبدالرحمن اليوسفي ضمن ما عرف وقتذاك ب «حكومة التناوب». والحال أن حزب الحركة الشعبية ذا النزعة البربرية الذي كان يعتبر نفسه جزءاً من فسيفساء التركيبات الحكومية المتوالية منذ استقلال البلاد، وجد نفسه في صف المعارضة على خلفية تشكيل حكومة الفاسي في نهاية 2007. ما جعله يخوض انتخابات أمس من موقع وسط، نصف معارض ونصف مهادن. من غير الوارد أن يكون لانتخابات أمس تأثير مباشر على حكومة الاستقلالي الفاسي، غير أن من غير المستبعد كذلك أن تتأثر بنتائج الاقتراع في حال تراجع نفوذ الاستقلال واستئثار «الأصالة والمعاصرة» بوضع مريح. لكن معطيات التغيير ستطاول تركيبة الغرفة الثانية في البرلمان التي ستجري انتخابات ثلث اعضائها في ضوء نتائج اقتراع أمس الذي سيضاف إليها مندوبون عن المركزيات النقابية وغرف التجارة والصناعة. أجواء الانتخابات لم تسلم من شوائب، فقد تحدث مرشحون عن استخدام الأموال للتأثير على الناخبين، وذهب بعضهم إلى اتهام بعض أعوان السلطة بالتدخل لمصلحة منافسيهم. لكن مصادر رسمية قللت من شأن تلك الأحداث واعتبرتها معزولة قياساً إلى الطابع العام للاقتراع.