مَثَلَ دومينيك ستروس-كان، المدير العام لصندوق النقد الدولي والوزير الاشتراكي السابق في فرنسا، أمام قاض في نيويورك أمس، بتهمة «اعتداء جنسي ومحاولة اغتصاب» عاملة تنظيف في فندق، وأثارت صوَره مكبّلاً صدمة في فرنسا. وطلب مدعون من القاضي إبقاء ستروس-كان موقوفاً، بتهمة الاعتداء الجنسي، مشيرين الى أنه ربما تورّط بقضية مشابهة سابقاً. وأعلنوا أنهم يحققون في ذلك. ورفضت القاضية مليسا جاكسون الافراج عنه بكفالة قدرها مليون دولار، وتحدثت عن احتمال هربه. وكان محاموه اقترحوا ان يقيم في نيويورك لدى ابنته. وسبق مثول ستروس-كان أمام القاضي، تأكيد محاميه نيته «الدفاع عن نفسه بقوة»، فيما أفاد «راديو مونتي كارلو» بأن مدير الصندوق يملك دليلاً يبرئه. لكن متاعب ستروس-كان زادت، بعد إعلان الكاتبة الصحافية الفرنسية تريستان بانون نيتها رفع دعوى ضده، إذ اتهمته بالاعتداء عليها العام 2002. ستروس-كان، وهو أحد أبرز رموز الاشتراكيين ومرشحهم المحتمل للرئاسة في فرنسا، أثار مشهده وهو مكبّل ومحاط برجال الأمن لدى نقله من دائرة الشرطة، صدمة شديدة في فرنسا التي ما زالت تعاني، سياسياً وشعبياً، ذهولاً مشوباً بقلق على صورتها وسمعتها الدولية، فيما يترقب الحزب الاشتراكي التداعيات على مستقبله. عاملة التنظيف في فندق «سوفيتيل» في نيويورك، والتي أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» أنها سمراء من أصل أفريقي وأم لفتاة في العاشرة من العمر، تعرّفت رسمياً الى ستروس-كان، ضمن مجموعة رجال في مفوضية الشرطة، وأشارت إلى انه اعتدى عليها جنسياً في غرفته في الفندق. وكان مثول ستروس-كان أمام القاضي، أرجئ يوماً، للسماح للمحققين بإجراء تحاليل جديدة على جسده وملابسه، بحثاً عن آثار تثبت الاعتداء الجنسي المزعوم. وأعلن محامٍ لمدير صندوق النقد ان الأخير «ينوي الدفاع عن نفسه بشدة ضد التهم، وينفي أي سلوك غير لائق»، فيما أفاد الموقع الإلكتروني ل «راديو مونتي كارلو» بأن محامي ستروس-كان جمعوا تفاصيل تحركاته، ووجدوا أنه غادر الفندق في الثانية عشرة ظهراً، بعدما دفع فاتورته وسلّم مفتاح الغرفة، ثم توجه إلى مطعم لتناول الغداء مع ابنته، واستقل سيارة أجرة إلى المطار. واعتبرت الإذاعة أن هذه التحركات تعني أنه كان غادر الفندق، في الوقت الذي زعمت العاملة أنه اعتدى عليها، مضيفة أن لدى المحامين أدلة دامغة وشهوداً. وما زالت تداعيات اعتقال ستروس-كان، تخيّم على الطبقة السياسية في باريس، محاولة استيعاب هذا الحدث الذي يُعتبر سابقة في فرنسا، حيث تسبّبت صورته وهو مكبل، بصدمة شديدة، خصوصاً أنها تظهر مدى اختلاف نمط التعاطي مع هذا النوع من القضايا، في فرنسا والولايات المتحدة. ووصفت زعيمة الحزب الاشتراكي مارتين أوبري، الصور بأنها «مذلة جداً»، قائلة: «لحسن الحظ لدينا في فرنسا قانون في شأن قرينة البراءة، يعني انه لا يمكن إظهار الناس على هذا الشكل، في هذه المرحلة من الإجراءات القانونية». وحذر النائب الاشتراكي جوليان دربي من أي ميل نحو «العدالة الاستعراضية». ولم تعلّق الرئاسة الفرنسية على اعتقال ستروس-كان، لكن وزير الخارجية ألان جوبيه لفت الى «قضية كبيرة تمسّ سمعة فرنسا»، فيما أعلن الأمين العام لحزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» (الحاكم)، جان فرانسوا كوبيه، انه طلب من قادة الحزب «ممارسة مقدار كبير من التحفظ وحتى الصمت»، حرصاً على «عدم إثارة انطباع بالتهافت والابتهاج»، مذكراً بحقّ ستروس-كان في الإفادة من قرينة البراءة. أما وزيرة البيئة ناتالي كوسكويسكو موريزيه، فتحدثت عن «ضحية أكيدة هي فرنسا، إضافة الى الضحية المفترضة موظفة الفندق»، لكنها استبعدت فرضيات المؤامرة أو نصب فخّ لستروس-كان، مبدية ثقتها بالقضاء الأميركي. لكن مقربين من الوزير السابق تحدثوا عن «مؤامرة»، إذ قال النائب جان كريستوف كامباديليس، في إشارة الى خصوم مدير صندوق النقد: «وعدوا بوضع عقبات أمامه، عندما يخطو أولى خطواته بوصفه مرشحاً لانتخابات الرئاسة». تزامن ذلك مع نبأ أوردته صحيفة «ليبراسيون»، أفاد بأن ستروس-كان أقرّ أمام صحافييها في نيسان (أبريل) الماضي، بأن علاقاته النسائية تشكّل إحدى نقاط الضعف في ترشيحه. وقال: «نعم أحبّ النساء، ما السوء في ذلك؟». اعتقال ستروس-كان قبل سنة من انتخابات الرئاسة التي كانت استطلاعات الرأي تشير الى انه الأوفر حظاً للفوز فيها، أعاد خلط الأوراق في الحزب الاشتراكي، كما أعاد فتح باب التنافس بين شخصيات، كان بعضها التفّ حول تأييد ترشيحه. ويعقد الحزب اليوم اجتماعاً لمكتبه الوطني، لمناقشة الوضع، فيما يزيل توقيف الوزير السابق عقبة أساسية من أمام الرئيس نيكولا ساركوزي، مسهّلاً سعيه الى ولاية ثانية، ولإعادة كسب تأييد الفرنسيين الذي انهار الى نسبة أدنى من 20 في المئة. قضية ستروس-كان أثارت أيضاً مشكلة لصندوق النقد الدولي الذي عقد مجلس ادارته اجتماعاً امس، ليناقش الخطوات الواجب اتخاذها بعد توقيفه.