أكّدت وزيرة البيئة العراقية نرمين عثمان أن العراق يشهد مستوى تلوّث غير مسبوق بسبب أزمة المياه، وأن التنوّع البيولوجي في مناطق كثيرة من البلاد مهدّد بالخطر نتيجة هذه الأزمة على رغم وجود إجراءات تعمل الحكومة عليها لترشيد استخدام مياه نهري دجلة والفرات في الزراعة والريّ، إضافة إلى العمل على زيادة المساحات الخضر لمحاربة التصحّر. وفي حديث مع «الحياة»، أطلت الوزيرة على هجمات العواصف الترابية التي تجتاح مناطق بلاد الرافدين في شكل غير مسبوق وأرجعتها إلى ظاهرة الاحتباس الحراري وما يتوّلد عنها من تغيّرات في المناخ، وكذلك إلى الآثار المتولدة عن الاحتلال الاميركي، الذي أدى تحرك دباباته عبر الصحراء العراقية الواسعة عام 2003، إلى تهشّم طبقات الارض فيها. وأشارت إلى قلّة الإجراءات العملانية التي تهدف الى ردع العواصف الترابية، بالمقارنة مع الآليات اللازمة لمجابهة تلك العواصف فعلياً. وبيّنت أن الأمر عينه ينطبق على الإجراءات المتخذة لمواجهة المتغيرات البيئية التي جعلت من العراق هدفاً لهجمات للرمال الصحراوية خلال السنوات الماضية. وأشارت عثمان إلى أن البيئة في العراق تواجه مجموعة من الضغوط السلبية، مثل قلة المساحات الخضر وانحسار المياه في منطقة الأهوار (جنوب العراق) وقلّة الامطار وعدم وجود مساحات خضر حول المدن الرئيسة. وأوضحت أن التهشّم الجيولوجي للصحراء وتربتها وطبقاتها، بأثر من زحف الدبابات الاميركية، يحتاج الى سنوات طويلة كي تتماسك تلك الطبقات مجدداً. ورأت أن تلك العوامل تحتاج إلى وضع البيئة في مقدم الأهداف الاستراتيجية عراقياً، إضافة الى تكاتف الجهود لتنفيذها. وقالت عثمان ان العراق لا يتلقى سوى 50 في المئة من حصته الطبيعية من مياه نهري دجلة والفرات، بالمقارنة مع ما كانته تلك الحصّة في سنوات سابقة. وأشارت إلى أن روافد النهرين الآتية من تركيا وايران باتت تحمل نسباً أقل من المياه بسبب المنشآت والسدود المقامة عليها في البلدين المذكورين، وكذلك بسبب تغيير مسارات بعض تلك الروافد. وبيّنت أن تركيا وإيران توسّعتا في زيادة حجم المساحات المزروعة بالاعتماد على هذه الروافد. وخلصت الى توقّع أن تتفاقم أزمة النهرين في شكل أكبر خلال السنوات المقبلة. ولفتت الوزيرة العراقية إلى ان تلك الأوضاع أدّت إلى تسلّم العراق مياهاً أكثر تلوّثاً، وأقل منسوباً، في الروافد التي تأتيه من بلدي الجوار. ولفتت إلى وجود ألف مصدر للتلوّث في مياه دجلة والفرات راهناً بسبب المياه المبتذلة التي تصّب فيهما، إضافة الى تلقيهما كميات ضخمة من مياه الصرف الصحي. وأرجعت هذه الوقائع السلبية إلى أسباب تتضمن عدم الاعتماد عراقياً على آليات إعادة تنقية المياه في المصانع ومحطات الكهرباء، ثم إعادتها إلى الروافد النهرية، ما يضمن تجدّد المياه التي تجري فيها. وفي هذا الصدد، حذّرت عثمان من تغيّر جوهري في التنوّع البيولوجي في نهري دجلة والفرات. وأشارت إلى ان تبدّلات حدثت خلال السنوات الاخيرة في نوعية الأسماك التي تعيش في النهرين وكمياتها أيضاً، إضافة إلى التغيّر في الكائنات المائية التي يحتويها النهران، وكذلك الحال بالنسبة الى نبتاتهما. ولفتت إلى أن شحّ المياه يقود في شكل مستمر إلى انحسار المساحات الخضر في العراق، وإلى زحف التصحّر. وقالت: «يؤدي استخدام المياه بطرق غير ملائمة إلى انحسار التنمية المستدامة وزيادة التصحر، إضافة إلى استنفاد قدرات التربة وخصوبتها ومواردها». وأضافت: «في الماضي، كان العراق يضم نظاماً بيئياً متكاملاً. فقد شكّلت الأهوار، وهي مسطحات مائية واسعة، مساحة لتنقية العواصف الصحراوية التي تأتي من جنوب البلاد وغربها قبل وصولها إلى وسط العراق وشماله». وأشارت إلى أن التنوّع البيئي تضرّر كثيراً عندما أقدم النظام السابق على تجفيف الأهوار، منطلقاً من اعتبارات سياسية. وقالت: «ما زلنا لحد الآن عاجزين عن إعادة المساحة المائية في الأهوار إلى ما كانت عليه تاريخياً، بسبب انحسار مستويات المياه التي تصل إلى العراق عبر نهري دجلة والفرات». وشدّدت عثمان على دور شحّ المياه وتلوّثها، مشيرة إلى أن مؤسسات تنقية الماء في العراق اضطرت إلى استخدام نسب اعلى من الكلور في عمليات تصفية المياه، مع العلم أن ارتفاع تلك النسب له الكثير من الآثار السلبية. ووصفت هذا الأمر بأنه «حال اضطراية». مئة مليون شجرة ويبدو أن متغيّرات البيئة في العراق تتداخل فيها عوامل مختلفة. وفي هذا الصدد، أشار غير مصدر حكومي وعلمي إلى أن السياسات الزراعية البدائية وعدم التوسع في الاعتماد على التقنيات الأكثر حداثة في الزراعة، قادت إلى انحسار المساحات الصالحة للزراعة وبوار التربة، إضافة إلى حدوث هدر غير مبرر للمياه. وفي نفس مُشابه، أوضحت الوزيرة عثمان أن وزارتها تمارس دوراً رقابياً وإرشادياً للمؤسسات الزراعية والصحية والبلديات وكل ما يتصل بالبيئة. وكذلك وضعت الوزارة عينها استراتيجية علمية لمواجهة تحديات البيئة العراقية خلال السنوات المقبلة. وقالت: «نعمل على برامج طموحة لزيادة المساحات الخضر، من خلال تحويل طرق السقي التقليدية إلى الري بالتنقيط. ويحتاج هذا الأمر إلى قناعة الفلاح العراقي بضرورة تغيير عاداته الراسخة في الزراعة». وأضافت: «ضمن قدراتنا كوزارة، نمارس ضغوطاً على المؤسسات الانتاجية والمصانع ومحطات الكهرباء والمستشفيات، من أجل توفير أجهزة تدوير مياه الصرف الصحي فيها، ما نتوقع أن يسهم على المدى البعيد في إحياء التنوّع البيولوجي في مياه دجلة والفرات». وأضافت: «خلال هذا العام، زرعنا 17 مليون شجرة في نطاق حملة تشجير واسعة. نطمح للوصول إلى رقم 100 مليون شجرة، وإلى تكثيف التشجير في المناطق المحيطة بالمدن، وكذلك الحال بالنسبة الى المناطق المفتوحة، لتكون عامل تنقية للبيئة عراقياً». وتناولت عثمان قانون البيئة العراقي الذي يعود إلى عقود عدة. ورأت فيه الكثير من الايجابيات لأنه يعالج الكثير من الاعتداءات على البيئة، لكنه بحاجة إلى تطوير أيضاً... لقد قدمنا قانوناً جديداً يرفع مستوى الغرامات على من يقدم على أعمال من شأنها إلحاق الضرر بالبيئة العراقية. ويُركّز ذلك القانون على ضرورة تطبيق الاتفاقات العالمية التي وقع عليها العراق في مجال البيئة، مثل معاهدات التنوّع البيولوجي والتغيير المناخي والاراضي الرطبة ومكافحة التصحّر وغيرها. ولفتت الوزيرة إلى ان العراق استحدث نظام «الشرطة البيئية» لملاحقة المعتدين على البيئة. ورأت أن تلك الخطوة ستكون مهمة في ملاحقة مثل تلك الاعتداءات. وقالت ان «الشرطة البيئية» تتولى مراقبة عمليات الصيد الجائر، إضافة إلى مراقبة نسب تلوّث عوادم السيارات، ومنع قطع الاشجار ووقف الاعتداءات على المساحات الخضر. وأشارت عثمان أيضاً إلى وجود عوامل تلوّث تصعب ملاحقتها، مثل التلوّث الاشعاعي الذي خلفته قذائف اليورانيوم المُنَضّب التي أصابت آليات عراقية في مناطق مختلفة خلال حربي 1991 و 2003. في المقابل، أكّدت أن آثار الحروب تتعدى ذلك، لتشمل وجود 25 مليون لغم أرضي تخلّفت منذ زمن الحرب العراقية - الايرانية، إضافة الى وجود 30 مليون قنبلة عنقودية موزّعة على انحاء العراق وتحتاج ازالتها إلى جهود عملاقة.