كارثة! لا، بل هي مصيبة! لم يفكر أحد ولو لوهلة في هذا الاحتمال! بل لم يخطر على البال أصلاً! وبالتالي، لم تتخذ أي خطوة استباقية أو احترازية أو حتى تأمينية. رحلة شم النسيم التي نظمتها الأسرة ليومين تحولت إلى تجربة علمية اجتماعية إخبارية تستحق البحث والتحليل. فمنذ اندلاع «ثورة يناير» لم يتسن للأسرة أن تجتمع إلا حول شاشة التلفزيون الخبرية أو التحليلية. وفي غير أوقات الاجتماع حول التلفزيون، كان كل فرد يؤمّن نفسه معلوماتياً إما من خلال التلفزيون الصغير المثبت في غرفة النوم، أو شاشة الكومبيوتر الرابضة على سطح المكتب، أو عبر الخليوي أينما كان. لذلك بدا قرار التوجه إلى القرية السياحية الواقعة على البحر الأحمر للاستجمام قراراً صائباً. الحقيبة تحوي قليلاً من الملابس وبعض كريمات الشمس وكثيراً من الأسماك المملحة وأخرى محنطة وأدوية الهضم وتطهير المعدة. وفي حقيبة صغيرة جهاز كومبيوتر محمول واحد، اتفق أفراد الأسرة على تناوب استخدامه للاطلاع على حسابات «فايسبوك» و«تويتر» الخاصة بهم لمعرفة أحدث مجريات الوضع في «طره» والأزمة في «قنا» والاعتصام في «ماسبيرو» والاحتجاج في «الدقهلية» والمليونية في «التحرير». وزُودت الحقيبة الصغيرة بجهاز ال «يو إس بي» للدخول على شبكة الإنترنت، ومعه كل أجهزة شحن الهواتف المحمولة. وصل الجميع إلى القرية ممنين أنفسهم بالماء والهواء والشبكة العنكبوتية. انطلق الجميع نحو الحقيبة الصغيرة حيث أجهزة الشحن، لكن المصيبة كانت انهم نسوا الحقيبة في القاهرة وبها وسيلة الاتصال بالعالم الافتراضي الذي صار منذ الثورة ركيزة رئيسة يومية للتواصل والاتصال والمعرفة. حاولت الأم تخفيف وطأة الأزمة، فطمأنتهم بأنهم على الأقل لديهم هواتفهم المحمولة. ولكن ما هي إلا دقائق حتى أخذت الهواتف المحمولة تزمجر مؤشرة إلى قرب انتهاء الشحن. بدأت مؤشرات الانشقاق تدب داخل الأسرة. «لا يمكن البقاء هكذا. علينا العودة فوراً إلى القاهرة!». هنا تدخل الأب بحسم وقوة. «لن نفعل أياً مما تقترحون. سنعود إلى الحياة كما كانت قبل كل هذه السخافات التقنية». وأشار بأسلوب درامي بيده إلى جهاز التلفزيون القابع أمامه. كانت عقارب الساعة تعدت منتصف الليل بكثير. وفكرة التحرك صوب القاهرة في مثل هذا التوقيت تُعرّض للمساءلة بسبب خرق قرار حظر التجول ليلاً. استسلم الجميع لقرار العودة الى عصر التلفزيون. أدار الأب المؤشر وهو يمسك بالريموت كونترول. زأر التلفزيون بشدة، ولم يعقب الزئير شيء، لا صوت ولا صورة ولا حتى مذيعة تتمنى للجميع عيداً سعيداً! أخذ الأب يدق على الأزرار بعصبية، والأم تدق على رأس الجهاز العتيق بعفوية، والأبناء منهم من يتأكد من الوصلة الكهربائية، ومنهم من يتأكد من قوة بطاريات الريموت، لكن هيهات. شش! وجاء الخبر اليقين من إدارة القرية. «للأسف الإرسال منقطع والعطل مركزي». عطلة عيد الربيع كانت منزوعة نشرات الأخبار، مقطوعة تعليقات ال «فايسبوك»، وخالية من «تويتر». ولكن، ما أحلاها!