«السينما تأتيك» هو الشعار الذي اختاره منظمو مهرجان دبي السينمائي للدورة الرابعة عشر من عمر المهرجان الذي افتتحت فاعلياته مساء الأربعاء الماضي، في مدينة جميرا ويستمر حتى 13 كانون الأول (ديسمبر) الحالي، بتكريم كل من النجمة الأسترالية كيت بلانشيت والتي تحضر المهرجان منذ عدة سنوات، والممثل الهندي عرفان خان، والممثل الإنكليزي باتريك ستيوارت، وكاتب السيناريو المصري وحيد حامد الذي قال في كلمته عقب التكريم: «سعيد بوجودي معكم وعندي إحساس قوي بأنني أعيش لحظة من لحظات الشباب، وأُؤكد أنه لولا مساندة الفنانين الكبار الذين عملت معهم في مختلف الحرف الفنية سواء التمثيل أو الإخراج أو الفنون الأخرى، لولا جهدهم ولولا هذه المعاونة ما كنت هنا اليوم. لم أكن وحدي في هذا المشوار، كان معي آخرون، وكنت لاعباً في فريق كبير جداً هو فريق السينما المصرية». المثير للدهشة في أمر تكريم وحيد حامد هو «البرومو» التنويهي، الذي أُذيع قبيل منحه جائزة إنجازات تكريم الفنانين، أن مهرجان كبير في قامة ومكانة دبي السينمائي، ومع كل هذه الدقة المشهود له بها لكنه يستعين بعدة لقطات وجُمل من مقدمة برامجية للمذيعة منى الشاذلي في حلقة تلفزيونية عن وحيد حامد، إلى جانب مقتطفات من آراء المخرج شريف عرفة والفنانة يسرا والتي سبق إذاعتها في حلقة عن النجم المكرم في برنامج «صاحبة السعادة» الذي تقدمه الفنانة الكوميدية إسعاد يونس، حتى أن الخطأ الذي وقعت فيه يسرا بذكرها أن فيلم «زوجة رجل مهم» هو سيناريو كتبه وحيد حامد وهو الأمر الذي لم ينتبه إليه فريق عمل البرنامج المصري، ترك من دون حذف أو بالأحرى من دون تدقيق، فمن المعروف أن مؤلف قصة وسيناريو وحوار «زوجة رجل مهم» هو الصحفي المصري رؤف توفيق، ما يجعلنا نطرح تساؤلاً: طالما أنهم قرروا عدم الاكتفاء بلقطات من أفلام المُكرم فلماذا لم يتم تصوير لقاءات جديدة خصيصا له، حتى لو كان ذلك عبر الأقمار الاصطناعية كما فعلوا مع مخرج فيلم الافتتاح سكوت كوبر الذي تعذر حضوره عرض فيلمه في الافتتاح؟ «عداوات» ونصه التحتي أما الفيلم الأميركي «عداوات» الذي افتتح الليلة الأولى - من ثمانيه أيام يُعرض خلالها أكثر من 140 فيلماً من الأفلام الروائية وغير الروائية والقصيرة والطويلة من نحو 50 دولة ناطقة ب38 لغة، إضافة إلى جلسات حوارية وندوات مع الممثلين والمخرجين، والذي كتب له السيناريو وأخرجه سكوت كوبر وقام ببطولته كل من كريستيان بيل، بيتر مولان، روزموند بايك، ويس ستودي، ستيفن لانج، وسكوت ويلسون، فهو شريط سينمائي مليء بالعنف والدم، والقتل الزائد، وهو حقاً مصنوع جيداً وإن كان لا يخلو من بعض المبالغات الحوارية في مناطق قليلة، والتي كان يمكن حذفها من دون أن يتأثر الفيلم، مثلما يُمكن حذف نهايات بعض المقاطع واللقطات الأدائية لبطليه لصالح الدراما بسبب عدم قدرتهما على تقديم ما هو أكثر بل كانا في بعض اللحظات القليلة يهبطان بالأداء من عليائه فيتلاشي الأثر النفسي القوي السابق. وصحيح أن الفيلم يحدثنا عن ضرورة التسامح والغفران لكنه يجعلنا نتساءل، هل حقاً التمادي في العنف والقتل والقسوة يخلصنا، بالضرورة، من آثارها الثقيلة على الروح ويقودنا إلى التسامح؟! أما أخطر ما في الفيلم فهو المحتوى الضمني أو النص التحتي له فمشهده الافتتاحي يبدأ عام 1892 بلقطة لأفراد عائلة أميركية سعيدة مسالمة يُهاجمها مجموعة من الهنود المتوحشين فيحرقون منزلهم ويقتلون من دون رحمة الأب وبناته الثلاثة ولا تنجح الأم في إنقاذ أي منهم وتظل محتضنة طفلتها الرضيعة القتيلة بين يديها أثناء رحلة هروبها المريع إلى أن ينقذها قائدة الفرقة العسكرية الأميركي. هنا يُصور الشريط السينمائي الهنود وكأنهم هم مَنْ بدأوا العدوان والعنف والقتل البشع، مع أنهم هم السكان الأصليون وهم الذين تم الاعتداء عليهم وإبادتهم من أجل الاستيلاء على أراضيهم ومزارعهم، إذ إن كل ما فعلوه من «عدوان» كان مجرد محاولات للدفاع عن النفس والممتلكات، إذ كيف للمرء أن يحمي نفسه ويدافع عن أهله وأرضه في ظل عدوان غاشم من دون اللجوء للعنف؟! كاتب سيناريو الفيلم قام بتهميش وإخفاء القضية الحقيقة، وأظهر الرجل الأبيض أساسا كرجل مباديء لديه إيمان قوي، مثلما يُبرر استخدامه للعنف بأنه كان ينتقم لزملائه وأصدقائه الذين فقدهم على أيدي الهنود، وأن هذا الأميركي هو الذي حارب لحماية الهنود لاحقا حتى أنه يدخل في حرب مع أبناء وطنه، وأنه هو الذي سيربي الطفلة حفيدة الزعيم الهندي بعد إبادة عائلتها، فهل البطل الأميركي هنا يُكفر عن تاريخه الدموي الطويل في حرق وإبادة السكان الأصليين، أم أنه يكتب التاريخ على هواه ليصنع صورته كما يريد لها أن تكون؟ الحضور المصري من بين 68 فيماً لمخرجين عرب - بنيهم 17 فيلما لمخرجات عربيات - تقتصر المشاركة المصرية في مسابقة المهر الطويل - التي تضم 18 فيلماً – على فيلم «زهرة الصبار» للمخرجة هالة القوصي، وفي قسم «ليال عربية» يُعرض فيلمان يميزهما أنهما ينتميان الى التجارب الإخراجية الأولى لصاحبيهما اللذين خاضا تجربة كتابة السيناريو من قبل وهما؛ «بلاش تبوسني» لأحمد عامر، و «طلق صناعي» لخالد دياب. وفي مسابقة المهر القصير تشارك المخرجة نهى عادل بفيلمها «مارشيدير» وهي المسابقة التي تتميز بأن الفائز فيها يحصل فليمه على فرصة استثنائية لأنه يُرشح ضمن القائمة الطويلة لجائزة أوسكار الفيلم الطويل لعام 2019 وهى إحدى مزايا مهرجان دبي السينمائي الذي لم يكتف بأن يكون منصة لعرض الأفلام ولكنه أصبح داعماً أساسياً في إنتاج عدد لا يُستهان به من السينما المستقلة في الوطن العربي، إلى جانب سوق دبي السينمائي التي تتيح الفرصة للسينمائيين العرب بلقاء الخبراء والمنتجين العالميين وتبادل الخبرات وطرح فرص التمويل لشباب السينمائيين من المنطقة العربية. إلى جانب الأفلام الأربعة وتكريم وحيد حامد يتعزز الوجود المصري من خلال لجان التحكيم، إذ يشارك في عضوية لجنة تحكيم مسابقة المهر الإماراتي صاحب «مولانا» المخرج مجدي أحمد علي، وفي مسابقة المهر الطويل يُشارك المخرج والمونتير أحمد عبدالله السيد صاحب «ميكروفون»، «هليوبوليس»، «فرش وغطا» و «ديكور». مثلما كان دور السينما في أرض الكنانة حاضرا من خلال كلمة وزيرة الثقافة الإماراتية نورة الكعبي التي أكدت في كلمة الافتتاح على أنها نشأت على مشاهدة أفلام المصري عز الدين ذو الفقار بدءاً من «رد قلبي»، ونوهت بدور الفنانة الراحلة شادية ووصفتها بأيقونة السينما العربية.