أعرف أن قضايا كهذه تتجه بالإنسان للمحظور في لحظة حضور بارع للشيطان، وتَجَاهُلْ تام سريع لكل المضاعفات القادمة القاهرة لكل المشاعر، والهادمة لكل أشرعة الأحلام، يكفي أنها تترك للدموع مكاناً فسيحاً واسعاً يشمل كل المحيطين، ويتركهم بانتظار لحظتين حاسمتين إما «حياة» القصاص أو «موت» الخلاص المفاجئ الذي قد يجلب الموت ذاته لحظة الفرحة المنتظرة، أعرف أكثر أن من لحظة تواجدها المؤلم المفجع تبدأ لغة الحسابات المعقدة والوساطات، والشفاعات، ويتجه عشرات الوجهاء، والأعيان وربما المئات، إلى منزل أهل القتيل وأولياء الدم، كما عُرِفْ، لبذل الوجوه والإغراء بملذات الدنيا التي تؤخر عند جزء منهم كل التفاصيل الداخلية من المشاعر، والأحاسيس، وسنين الألم، وساعات البكاء، وتجعل كل القرارات الصلبة الصارمة من أجل العفو لينة سهلة، فيما جزء آخر لن تقدم ولن تؤخر له كل هذه الملذات، بل لا يقنعه إلا القصاص لأنه يعرف قبل القتل أن فيه حياة وعبرة وتطبيقاً لشريعة إلهية. لن أكون قاسياً نحو فضيلة العفو البحتة ولكني سأكون قاسياً لأن يحمل برواز العفو الرقيق الفاخر تفاصيل تكسر الظهر، وتغلي الوجوه والرؤوس تحت أشعة الشمس انتظاراً لكلمة عفو بأي ثمن! أهرب كثيراً من صديقي المتأثر بمثل هذه القضايا وما يحدث فيها من مزايدات مطرزة بالعفو، حين يقول أخشى أن تتضاعف القضايا في العدد حين يثور الإنسان غاضباً لأي سبب فيقتل لنصحو على الكارثة لننطلق للغة أعلاه من جديد، ويتم البحث الجاد الجاري عن شفاعة ووجاهة تنقذ المتورط من القتل، لست ضد العفو مرة ثانية وثالثة، إنما كيف نشاهد مواطناً مفجوعاً عفا وتجاوز بالمجان واعتبر الأرض من حوله بما ضمت لا تساوي شيئاً في من ذهب، وأدرك بروحه ورغم ألمه ووجعه أن الإنسان المفقود قيمته لا تعوض بشيء ليحوز على الثواب والأجر والدعاء الطاهر الذي يستحقه، ومشاهدة أخرى لمواطن اختار الملايين والسيارات ومن ثم اعتقد ووثق أنه عفا وبيض الوجوه التي طلبت، العفو المجرد من كل إضافة هو الثواب والأجر وهو الثبات الحقيقي في الوقت الصعب. فينا من يشاهد الخلافات تتواجد ويصمت لحين وقوع الفاجعة وحينها نستيقظ، حين يأتي القتل أحياناً بسبب الطيش والعنجهية والنعرات القبلية وحب الانتقام وقوة العضلات، فهذا يعني ثقافة محلية مفجعة، وحين تحضر قضايا القتل لأسباب ضعيفة فهنا علامات تعجب كثيرة مع تقديم الشكر والتقدير للجهود والوجوه، لكنه يستحيل إجبار مُسْتَحِقْ عن حق كفله له الشرع، وفي الوقت ذاته سندفع العقول ونفتح الأبواب بحسن نية على مصراعيها، لأن تكون شروط التنازل والعفو عن قاتل سابق مقرونة بأرقام فلكية هي بين مُربعيْ التحدي والإحضار، وهما المربعان الفاصلان بين الحياة والموت، أنا لا أكتب إلا لأن مواطناً قبل أسابيع في حايل عفا بموقف إنساني نبيل بحت مجاني يعرفه ربه وعرفه من بعد ولاة الأمر، فيما آخرون عفوا في الواجهة ودونوا مطالب قاهرة تحت مثالهم الجميل شكلاً، قيم التسامح والنبل هي من تستحق الوقوف والتذكر والمساعدة على المدى الطويل، والعفو بالمجمل حضور إنساني مختلف، وقوة قلب قل أن تتواجد في الرجال، خصوصاً حين ينصدع القلب، ويقهر بفقد جزء منه، ووجه ألفه وألف تواجده، أعود وأكرر كيف لنا أن نزرع ثقافة العفو ومعايير الأجر - لمن رغب – دون إجبار وتسييل لعاب ونحن نفزع في كل قضية قتل دون معرفة التفاصيل وثباتها واحتمال تكرارها لنحضر في المشهد بالعدد والملايين والسيارات وتغريب الأبرياء عن الأهل والجيران ومراتع الصبا! [email protected]