في خريف 2003 حاز حزب الاستقلال على المرتبة الأولى في مقاعد البلديات، غير أن رئيس الوزراء التكنوقراطي إدريس جطو استمر في قيادة ائتلاف حكومي لم يتأثر بتلك النتائج. وكان الاستقلال وحليفه الاتحاد الاشتراكي أضاعا فرصة تولي رئاسة الوزراء بسبب خلافات انعكست في بحث كل منهما عن تحالفات تتيح له حيازة غالبية نيابية. الآن يبدو الأمر مختلفاً في اقتراع يوم الجمعة المقبل. فالاستقلال أصبح يقود الائتلاف الحكومي في شخص زعيمه عباس الفاسي، والخلافات التي انفجرت في صفوف الائتلاف لم تحل دون تمسك مكوّناته الأساسية بمواقعها إلى حين ظهور تطورات أكثر قدرة على التحمل، ما جعل الفاسي يلوّح أمام مناصريه في المهرجانات الخطابية بأن نتائج الاقتراع لن تؤثر في تشكيلة الحكومة وأن المنتخبين المحليين هم الذين يتعيّن عليهم دفع الحساب، أكان عقابياً من خلال خسارتهم الاقتراع أو في صورة دعم متواصل لهم لتولي مناصبهم. لكن التحليلات الأكثر تفاؤلاً تشير إلى أن التزام العاهل المغربي الملك محمد السادس دعم حكومة رئيس الوزراء، المسؤولة أمامه وأمام البرلمان بموجب الدستور، أريد منه «سحب البساط» من أمام أي استخدام لموقع القصر في منافسات انتخابية خرجت عن المألوف. وفيما صرح زعيم الحركة الشعبية (معارضة) مهند العنصر بأن الوافد الجديد على الساحة السياسية المغربية، في إشارة إلى حزب الأصالة والمعاصرة، سيكون له تأثير في توزيع الخريطة الانتخابية، بدا أن انضمام هذا الأخير إلى المعارضة عشية بدء الحملات الانتخابية لم يسعفه في تشكيل تيار معارض لحكومة الفاسي، قد يتبلور لاحقاً في قرار سحب الثقة منها، وإن كان الأرجح أن بعض أحزاب المعارضة يتوق لخلخلة المشهد السياسي «أملاً في حدوث تغيير حكومي كبير». غير أن من المستبعد أن ينضم حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي أفاد كثيراً من وضعه في المعارضة منذ أن فك ارتباطه مع حكومة عبدالرحمن اليوسفي في عام 2001، إلى تحالف يجمعه والأصالة والمعاصرة وبقية مكوّنات المعارضة. فالعدالة والتنمية يبدو، على الأقل أيديولوجياً، أقرب إلى حزب الاستقلال المحافظ منه إلى أحزاب دخلت معه في مشاداة وصراعات سياسية. وفيما يتطلع حزب الاستقلال إلى حفظ مكانته في المشهد السياسي، فإن الاتحاد الاشتراكي الذي فاجأته الانتخابات الاشتراعية لعام 2007 بالنزول من مقعد الصدارة، يرغب في معاودة بسط نفوذه التقليدي في بلديات المدن الكبرى لتجاوز نكسته الأخيرة. لكن تجمع الأحرار الذي ألغى تحالفه النيابي مع الأصالة والمعاصرة بعد خروج الحزب الأخير إلى المعارضة، يسعى بدوره إلى الحفاظ على دوره في موقع وسط في أي ترتيبات لاحقة. وفي مقابل ذلك يريد العدالة والتنمية الذي لم يكن حضوره قوياً في انتخابات البلديات السابقة التي تأثرت بتداعيات الهجمات الانتحارية في الدارالبيضاء لعام 2003، أن يخرج من نفق توجيه الاتهامات إلى بعض قيادييه في تدبير الشأن المحلي بأقل خسارة ممكنة. وقد حافظ الحزب الإسلامي، في غضون ذلك، على تغطية الدوائر الانتخابية بنسبة حوالي 40 في المئة، وهي المنهجية نفسها التي اتبعها في الانتخابات الاشتراعية. ويُلاحظ أن محاور الانتقادات في الحملات الراهنة توزعت بين اتهام بعض المجالس بالتقصير والتجاوزات وهدر الامكانات، وبين عرض بعض التجارب التي يعتبرها أصحابها مدعاة إلى الارتياح بالنسبة إلى المجالس التي يتولون تسيّيرها. في حين يجري التركيز على ربط الديموقراطية المحلية بالتنمية. ولوحظ في هذا السياق أن تطوراً نوعياً حدث في الخطاب السياسي الذي بات يفرّق بين المهمات الحكومية ودور المؤسسة الاشتراعية ومسؤوليات المجالس المنتخبة في الاستجابة إلى تطلعات المواطنين. غير أن اشد المنافسات ضراوة تدور حول الاستئثار بعمدة المدن الكبرى في الرباطوالدارالبيضاء ومراكش وطنجة ووجدة والعيون وغيرها. كونها تؤشر إلى مراكز النفوذ السياسي. ولفت مراقبون بهذا الصدد إلى أن الأرياف والبلدات الصغيرة احتلت مساحة مهمة في انشغالات الأحزاب السياسية، وضمنها الاتحاد الاشتراكي الذي كان يعتبر حزب النخب، وكذلك حزب الاستقلال الذي يريد العودة إلى مراكز نفوذه التقليدي في السنوات الأولى لاستقلال البلاد، فيما اهتم مرشحون بمخاطبة الناخبين باللهجات الامازيغية للدلالة على الارتباط بالهوية وإيلاء عناية أكبر لمكونات المجتمع الأمازيغي. وانتقدت أحزاب عدة ما وصفته ب «الموقف السلبي» للسلطات ازاء استخدام المال و «ترهيب الناخبين»، وأصدرت فاعليات الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية وتحالف اليسار في مدينة العرائش (شمال البلاد) بياناً استنكرت فيه «الحياد السلبي للسلطة». ووجه رئيس الكتلة النيابية ل «العدالة والتنمية» المحامي مصطفى الرميد شكوى إلى المدعي العام للمحكمة في مدينة الصويرة على الساحل الأطلسي جنوباً، يطالبه بفتح تحقيق حول اعتداء تعرض له أحد مرشحي حزبه على يد منتسبين إلى الاصالة والمعاصرة، كما دعا السلطات إلى فتح تحقيق ازاء ممارسات اعتبرها «مخلّة» بحياد الإدارة في مدينة أغادير. وتوزعت الاتهامات بين متنافسين من بين الشركاء في الائتلاف الحكومي في مناطق أخرى. بيد أن زعيم الاتحاد الاشتراكي عبدالواحد الراضي رهن صدقية الخيار الديموقراطي بصدقية الانتخابات ونزاهتها، وقال في مهرجان خطابي في ميدلت وسط شرقي البلاد إن حزبه «سيظل وفياً لقسم تخليق الحياة السياسية كوسيلة لرد الصدقية إلى العمل السياسي ومحاربة العزوف عن الاقتراع ومن يتسبب فيه من المفسدين».