لا شك ان نتائج الانتخابات في لبنان شكلت مفاجأة ايجابية للغرب. فمعظم الإدارات الأوروبية وفي طليعتها الفرنسية والايطالية وكذلك الإدارة الأميركية كانت تتخوف من إحراز «حزب الله» وحلفائه في المعارضة المسيحية تقدماً على الغالبية التي كانت قائمة قبل الانتخابات. فانقسام فريق 14 آذار وخلافاته اضافة الى استطلاعات رأي خاطئة لصالح المعارضة رسخت هذه القناعة عند عدد كبير من الناس، حتى ان الإدارات بدأت تعد نفسها لما ستقوله بعد الانتصار الذي كان متوقعاً ل «حزب الله» وحلفائه. إلا ان الانتخابات الديموقراطية في لبنان أثبتت ان الشعب اللبناني بغالبيته فضل مشروع الحرية والانفتاح على العالم الديموقراطي الحديث والمتقدم، على مشروع ديكتاتورية الحزب الواحد والرأي الواحد والالتزام الأعمى كما طلب العماد ميشال عون عند اختياره لمرشحيه. وحصول قوى 14 آذار على الغالبية جاء ايضاً لينقض ادعاءات وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي الذي توقع لدى لقائه المسؤولين الفرنسيين في باريس، ان قوى 8 آذار ستفوز في الانتخابات اللبنانية. والواضح ان يقظة الشعب اللبناني أدت الى إقباله على الاقتراع بكثافة، حتى ان ألوف اللبنانيين توافدوا من الخارج للإدلاء بأصواتهم. وبعض هؤلاء دفع ثمن بطاقات سفره من قبل هذا وذاك، سواء من الغالبية أو المعارضة، فكلاهما دفعا ثمن بطاقات سفر للبنانيين ليأتوا الى لبنان ويصوتوا. ولكن هناك العديد من اللبنانيين الذين أتوا للتصويت على نفقتهم لأنهم مهتمون بمصير بلدهم ومستقبله وهذا أمر مشجع وجيد، ويؤكد ضرورة تمكين اللبنانيين في الخارج من التصويت. وطبيعي ان يكون وصف أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، قبل الانتخابات، ليوم 7 آيار بأنه «مجيد» قد أثار تخوف الكثير من المترددين في اختيار المرشحين الذين سيصوتون لهم. كما ان تدخل الرئيس الايراني مباشرة وعلنا في المسار الانتخابي اللبناني اعطى كذلك دفعة لانتصار الغالبية. وكذلك تحذير البطريرك صفير من أخذ البلد الى مشروع آخر، كان ايضاً دافعاً الى اليقظة والتعبئة ليصوت اللبنانيون للغالبية. فالانتخابات في لبنان جرت بشكل ديموقراطي وجيد وينبغي الإشادة بالدور الذي لعبه وزير الداخلية زياد بارود وهو مسؤول يحتاج لبنان الى الكثيرين من أمثاله. فلبنان بحاجة بالفعل الى العديد من المسؤولين من هذه النوعية النزيهة والمعتدلة والقادرة والفاعلة. فماذا بعد هذه النتيجة المشجعة للانتخابات؟ ان خطاب رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الذي من المتوقع ان يرأس الحكومة الجديدة، اتسم بالعقلانية والهدوء واللهجة المعتدلة البعيدة عن التشنج والانتصار المتعجرف. فتواضع بعد الانتصار في حين أن خطاب الأمين العام ل «حزب الله» تميز مجدداً بلهجة التحذير والتشدد. ان لبنان اليوم بحاجة إلى حكومة وحدة وطنية تعمل من أجل تحسين حياة اللبنانيين، وأخذ قرارات صائبة لمستقبل البلد وليس لإرضاء هذا وذاك من الحلفاء الاقليميين. فالثلث المعطل أو حق النقض في حكومة منبثقة عن انتخابات ديموقراطية شرعية اعترف بها العالم بأسره أمر غير طبيعي وغير مقبول حسب الاصول الديموقراطية خصوصاً إثر تصويت شعبي بمثل هذه الكثافة. فهناك مرحلة جديدة في لبنان بعد هذه الانتخابات تتمثل بنتائج الانتخابات أولاً، ولكن أيضاً بأوضاع اقليمية تتغير وفي طليعتها المصالحة السعودية - السورية - المصرية مع ما يسمع عن وعود اعطتها سورية للمملكة العربية السعودية حول لبنان. وهناك خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي وجهه إلى المسلمين والعرب من القاهرة وحواره المرتقب مع إيران بعد الانتخابات الإيرانية في 12 حزيران (يونيو) المقبل، وايضاً الحوار الأميركي - السوري والانفتاح التدريجي لإدارة أوباما على سورية ومراقبة سياستها عن قرب. كل هذه الأمور قد تؤشر إلى احتمال عدم تدخل سورية لدى حلفائها في لبنان في هذه المرحلة من أجل التعطيل وشلّ عمل الحكومة المقبلة حتى ولو انها حكومة الغالبية. والأمل كبير في أن تتمكن الحكومة الجديدة أولاً من أن تتشكل ثم أن تضم وزراء من نوعية زياد بارود، وأن يكون للرئيس ميشال سليمان دور الضامن للجميع في هذه الحكومة ليتمكن لبنان من أن ينتعش وينهض.