يرتبط الأداء الكوميدي بالحركة ارتباطاً وثيقاً، ويختلف من ممثل إلى آخر باختلاف هوية الممثل الفنية. والفنان الذي يعطي أدواره بعداً إنسانياً، ويكون مثقفاً وملماً بالأحداث الجارية هو الأبقى على خشبة المسارح المصرية، لأن المسارح الموسمية للفرق الطفيلية اختفت، وهي معظم مسارح القطاع الخاص. ولابد أن نعترف إن الجمهور هو سبب متعة أي فنان، لكنه جمهور متمرد ويمل سريعاً ما لم يجد جديداً، والخروج على النص ليس عيباً ويحتاج إلى ثقافة يومية، لأن المسرح في حاجة للتجديد دائماً. يعتمد الأداء الكوميدي في المقام الأول على الحركة، لأن الألفاظ والكلمات انتهت، والنكات استهلكت. لذا فإن تناول الموقف بأسلوب كوميدي لم يتطور حتى الآن في التأليف. والكوميديا فن صعب جداً، إلى جانب كونها ثقافة، تعتمد على مدى الإحساس بالمجتمع والبيئة واتساع الرؤية. وعندما تقول جملة على خشبة المسرح لا بد أن يضحك لها الطبيب والمهندس والسياسي والرجل البسيط. «الافيه» جزء من الكوميديا، لكنه يخرج من فم قائله وكأنه كلام عادي من واقع تركيبته الشخصية. فالكوميديا لا بد أن تبحث عنها داخل الشخصية المكتوبة، ولا يجب على الممثل أن يعتمد على نفسه من دون الشخصية التي يلعبها أو سياق الأحداث في تقديم الكوميديا. والسخرية هي كوميديا المصريين، تنبع من آلامهم وأحزانهم، والنكات الرائجة في الشارع المصري تولد من الشارع. وتكتمل سعادة أي فنان بنجاح عمله في آخر ليلة من عرضه، ولكنه قد يحزن، لفقدانه شخصية تعايش معها طويلاً، وقد تكون بمثابة صديق له، لأنه جعلها شخصية مليئة بالحيوية والحياة طوال فترة العرض. ولا بد للمسرح أن يتحرك خطوة، ويجب أن تكون قفزة كبيرة ليلحق بالمتغيرات العالمية من حيث التكنولوجيا والأفكار والتكنيك والتقنية والحرفية، وهذا ما يجب أن يتحقق الآن وبسرعة مع كل رواية جديدة خصوصاً في الروايات التي ستعرض قصصاً من واقع ثورة ميدان التحرير في الفترة القبلة. المسرح السياسي فيه انتعاش جماهيري، والناس تحب مشاهدته، لكنه يفتقد المزيد من النصوص التي تحمل الجرأة في تناول القضايا السياسية من خلال أشخاص قادرين على استيعاب ما يحدث في الواقع وترجمته في قالب مسرحي مثل قصص شهداء الثورة وطرق التعبير المبتكرة والقدرة على الصمود وإدخال السينوغرافيا والكادرات السينمائية على خشبة المسرح لاستكمال أحداث المسرحية. إضافة على النص تهمة الخروج على النص أراها عكس ذلك، فما يقدمه الفنان على خشبة المسرح، وما يراه البعض خروجاً على النص، أراه إضافة للنص من خلال الكلمة أو الحركة، وطالما أن الفنان واع لما يقوله تصبح الإضافة جيدة، وهذا لا يتأتى إلا من خلال فنان مثقف ومتمكن من أدواته كمبدع مسرحي، وفنان له تجربة مسرحية عريضة تساعده على الخروج على النص بشكل يمثل قوة للعرض مثل عادل إمام أو محمد صبحي. والشيء الوحيد الذي يتغير في المسرح هو الجمهور فقط في كل ليلة عرض. ولذا يجب أن يكون هناك تغييراً أيضا في روح النص. ويشعر الكوميدي بسعادة كبيرة عندما يؤدي شخصيات شريرة وتراجيدية على رغم تصنيفه كممثل كوميدي، لأن هذه الشخصيات تستنفر قدراته. الممثل الكوميدي أو التراجيدي إذا لم تكن عنده صناعة الحركة الحقيقية والسليمة في الأداء فسيكون» تراجيدي دموع « وبالتالي لن نرى جسده أو حركته، وهذه الأشياء مهمة جداً، ويعتمد عليها محمد سعد في أفلامه كثيراً مثل «اللمبي» وسمير غانم ووحيد سيف أيضاً... فهم يعتمدون على الحركة كثيراً. ولأن الفنان الكوميدي من وجهة نظري لا يمكن أن يظل بعيداً عن الكاميرا في السينما أو التلفزيون أو بعيداً عن خشبة المسرح لفترة طويلة، لأنه يعتمد على التقاط الأنماط السلوكية التي يفرزها المجتمع خصوصاً الأنماط السلبية التي يتولد من خلالها الضحك، ولذا إذا مات الحدث فلا يمكن التعليق عليه بعد شهر أو سنة، مثل خطاب العقيد الليبي معمر القذافي مثلاً في أحداث الثورة الليبية أخيراً، فهو يحتاج إلى كل نجوم الكوميديا العرب لتقليده. الكوميديا عمل متجدد يحتاج إلى يقظة وفكر وجهد ومتابعة لكل ما هو جديد على الساحة من أحداث وقضايا ومشاكل وهذه العملية تفرض على الكوميدي أن يكون مثقفاً وملماً بالأحداث من حوله وإلا أصبح فناناً جاهلاً ولا يعتمد إلا على بعض الحركات والأفيهات. المهم كيف يكون نجم الكوميديا متجدداً ومتطوراً حتى يبقى ويعيش طويلاً. وأنا أقول إن العبرة بالنفس الطويل، والبقاء دائماً لصاحب الأداء الأقوى والأصلح والأكثر قدرة على الضحك من خلال الموقف. التلقائية في الأداء هناك من ينتمي إلى مدرسة التلقائية في الكوميديا أو التراجيديا وعندما يجسد شخصية مهما كانت أهميتها، يشتغل عليها وكأنها دور عادي، وورثة التلقائية في الأداء مثل نجيب الريحاني وفؤاد المهندس وعادل إمام وأحمد زكي وأحمد راتب، يشعرون أن هذا الأداء هو السهل الممتنع. ودائماً ما كان يطلب الفنان المخرج الراحل يوسف شاهين من أبطال وبطلات أفلامه أن يتمتعوا بالأداء التلقائي، خصوصاً إذا كانوا بغير تجارب تمثيلية سابقة مثل المطربة لطيفة في «فيلم سكوت حنصور». لا يعتمد الأداء المسرحي فقط على الحركة والكلمة بل أيضاً هناك الأداء الذي يعتمد على الحركة من دون مرافقة الكلمة للحدث أو الموقف في التعبير عن مشهد ما، ويسمى ذلك بفن البانتوميم، وهو الأداء الصامت الذي له نظريات تدرس في معاهد الفنون المسرحية، وقد برع من خلال هذا اللون من الأداء الصامت أو فن البانتوميم كل من الفنانين أحمد نبيل وهشام عبدالحميد. وهذا اللون من الفنون ليس سهلاً في توصيل الإحساس أو تحقيق المشاركة الوجدانية مع الجمهور عن طريق التفاعل معه، والإيحاء بأنه يجسد له مشكلة ما كتمثيل مشهد مدمن للمخدرات أو مشهد قتل. ومن المهم أن يكون الأداء التمثيلي أشبه بالتمارين، كما أن الحركة المسرحية تجعل من الضروري على الفنان أن يتبادل موقعه أو مكانه مع زميله على خشبة المسرح، أثناء الأداء ودون أن يشعر الجمهور بتلك الحركة حتى لا يفقد التركيز في المتابعة، وهي جوهر توصيل رسالة الفنان وتحقيق هدفه من العرض. أما ارتجال الصوت والحركة وإعطاء الأحداث أثراً محدداً يجعلنا نتساءل عن أهمية وقدرة الممثل على تلوين طبقات صوته وتدريجها بين القوة والضعف بين الصوت القوي والناعم. لكن من الضروري أن يكون أداء الممثل المسرحي قوياً ومعتمداً على صوت قوي عريض حتى يملأ فراغ المكان والمساحة والزمن، وألا يجعل هناك بينه وبين المشاهد أي فاصل أو ستار كستارة العرض، لأن نزول هذه الستارة معناها انتهاء العرض، ومن هنا لابد أن يعتمد الممثل المسرحي أيضاً على تدريبات لتقوية الصوت من جهة، ومن جهة أخرى أن يجيد فن الإلقاء أو الخطابة وهو ما يعني ضرورة تمكنه من الأداء القوي والسليم عن طريق لغة التفاهم المشتركة بينه وبين الجمهور.