حين خرجت من مسرح كلية التقنية ثالث ايام العيد، كنت مملوءا بالسخط، وأنا اراجع المسرحية نصاً وعرضاً وأسماء ممثلين كوميديين، باحثاً عما يشفع للقول بأنها: مسرحية معقولة! او: مسرحية لطيفة!. كما كنا نردد منذ سنوات حين نخرج من عرض مسرحي، معزين انفسنا ان المسرح الكوميدي الحقيقي سيأتي، لكن الأمور باتت تتراجع الى الخلف بامتياز. ٭ ملخص الفكرة! تحكي المسرحية عن فريقين مختلفين، هما فريق شخوص الغابة الذين يتكلمون لغة بدائية، تقودهم الشخصية المعروفة «طرزان» ويقوم بدوره الممثل عبدالعزيز الفريحي، والفريق الآخر يمثل شخوص بدو عابرين، وصلوا بطريق الخطأ الى الغابة، ولا نعرف كيف وصلوا؟ وبدأوا ينتقدون الغابة ويمتدحون الصحراء، وهما رجلان بدويان احدهما يحمل ربابة ولا يغني فيها، والآخر قائد هذه المجموعة، واسمه «فليحان» ويقوم بدوره الممثل نايف خلف، ثم يلتحق بهما رجلان آخران، احدهما حجازي، او ينبعاوي ويحمل آلة السمسمية، والآخر شاب «مودرن» يحمل حقيبة ظهر، ويحكي بغنج وميوعة. العنصر الأخير في المسرحية هو الفنان فايز المالكي، والذي جاء بشخصيته التلفزيونية «مناحي» في مسلسله «أخواني أخواتي» الذي حقق به نجاحاً معقولاً، يلزمه ان يفكر جدياً بمستقبله الفني كثيراً. المسرحية حاولت ايجاد صراع على الغابة بين الفريقين، وكان صراعاً مفتعلاً، ثم يفكر طرف شخوص الغابة البدائيين بالتفاوض مع الناس الطارئين، ويحصلون على رهينة كان يتمشى لوحده، وهو «مناحي» ليتمكنوا من الضغط على الآخرين لقبول التفاوض. ٭ مسرح الفكرة العابرة! المسرحية جاءت بلا نص تقريباً، لا اعرف وقد شعرت وأنا اصاب بالملل لحظات العرض، ان لا يوجد ثمة نص مكتوب، وإنما كانت مجرد فكرة عابرة تداولها الممثلون، ورمى بها على الطاولة بينهم الممثل الفريحي، وتم بناء العمل اثناء البروفات السريعة ايضا. وكان السؤال الجذري لي او للمفترج: هل هي مسرحية كوميدية؟ طبعا لا، فلم تنبه المتفرج الى مواطن الخلل في واقعة الاجتماعي والإنساني، لكي يصبح الضحك انتقاداً للواقع وتشديداً عليه وأملا في إصلاحه، وإنما اعتمدت على الحركات الجسدية المبتذلة والمواقف السطحية. هل هي كوميديا سوداء مثلا؟ ايضا لا، فلم تراهن مثلا على تجاوز الإنسان للفجيعة والمأساة، ليصبح الضحك ليس للانتقاد وأمل التعديل والإصلاح، إنما ضحك لا يرجو الإصلاح، بل هو في اعلى مراحل القتامة والتشاؤم التي لا حل لها سوى الضحك الهستيري او الموت. ٭ حوار متعثر! في كثير من لحظات المسرحية، شعرت ان الممثلين عاجزين عن النطق، ويتلفت بعضهم «الفريحي نموذجا» في ارجاء المسرح بحثاً عن منقذ، فكأنما يوحي للمتفرجين انه نسي دوره في النص، بينما الواقع يوحي ان لا نص اساساً، وإنما هي مقاطع ارتجالية، تتغير طبعاً من بروفة الى اخرى، ومن عرض الى اخر. ولا ارى اي دور للمخرج «صالح العلياني» لأن الأداء - كما اظن - خرج من سيطرته، وأصبح في يد الممثلين، وبركة الإلهام التي ستقود الحوار المسرحي الى مالا نعرف، ولا ما يعرف المخرج، ولا ما يعرف الممثلون طبعا. ادرك ان الخروج على النص امر مطلوب، وجماليته في تلقائيته، ولكنه يسمى خروجاً على النص، اي ان يكون النص موجودا، اما في حالة «طرزان وفليحان» فليس ثمة نص، وإن كان هناك شيء مكتوب حتى لو كان نصاً فقيراً فالقاعدة فيه هي الخروج عليه لفقرة ربما، وليس الاستثناء هو الخروج عليه كالمعتاد في العروض المسرحية. ٭ بعيداً عن احلام وضحى! ولو عدنا قليلاً الى المسرح الكوميدي الانتقادي، لوجدنا مسرحية «من تحت الكراسي» للراحل محمد العلي والممثل القدير راشد الشمراني، مسرحية مهمة حققت دوراً مهما في مرحلة مبكرة، ثم هبطت بنا مسرحية «الضربة القاضية» في فوضى الكوميديا والمواقف السطحية. رغم انها كانت افضل كثيراً من المسرحية موضع النقاش. بمعنى اننا آنذاك كنا نجد معمارا للمسرحية، اما مسرحية «طرزان وفليحان» فكانت تفتقد الى البناء المسرحي والتصاعد الدرامي، وكل ما راهنت عليه هو اسماء ابطال المسرحية الثلاثي: المالكي والفريحي ونايف خلف، وخصوصا الأول الذي جاءت هتافات الجمهور تطالبه بالحضور، اذ كان دوره شرفياً لم يتجاوز الخمس عشرة دقيقة، وهو دور يتكئ على نجاح وحضور شخصية «مناحي» التلفزيونية، ورغم اهمية وحضور المالكي على المسرح، ورغم موهبته وحب الجمهور له، فإن ذلك لا يكفي لخلق فنان مسرحي متكامل، اذ ان عناصر الفنان الحقيقي هي: الموهبة والعمل والذكاء. بينما لم يعمل المالكي بدأب في هذه المسرحية، ولم يكن ذكياً، وإلا لما قبل دوراً مبتسراً، دوراً مفتعلاً وغير جديد، يباغت به جمهوره، بعيداً عن احلام: وضحى ولمياء وسائق الباص!. على الممثل الحقيقي ان ينتبه الى ماذا يقدم من عمل لآخر. فالمالكي تورط هنا في توظيف ملامحه وشخصيته التلفزيونية، ولم ينقصه سوى «الباص»، نفس الملابس والوقفة والاسم! اما الفريحي فقد استكان لشخصيته وحركاته المتكررة من عرض لآخر، خصوصاً رقصته الغربية الشهيرة! لذا بات عليه ان يبحث عن نص مسرحي يقدمه بشخصية مفارقة، حتى يختبر قدراته المسرحية. اما الفنان نايف خلف، فهو ربما كان الأقل سوءاً، خدمه ربما خبرته المسرحية، وفهمه للعبة المسرح وشروطه. ٭ كلمة أخيرة! جدير ان اشير الى كثافة الحضور، الذي لم يجد بعضه مقعداً فارغاً، وبقي واقفاً طوال العرض، وهذا امر مفرح للمسرحيين، ولكن هذا العطش الجماهيري الى مسرح محلي مفقود لا يعد مقياساً، ولا يمكن الرهان عليه طويلاً، فالمتفرج الذي يتابع المسرح العربي عبر القنوات الفضائية وعبر الفيديو، المتفرج الذي عرف مسرح دريد لحام، بل حتى مسرح حسين عبدالرضا، ذلك المتفرج - كما افترض - اصبح واعياً لدور المسرح وأهميته في الوعي الإنساني، خصوصاً اذا حافظ على دوره وأهميته كأب للفنون الإبداعية جميعا، وليس كلقيط تائه بعد هذا العرض المرتبك.