عقب الزلزال الذي ضرب اليابان وما لحقه من توابع وارتدادات رفعت الوكالة اليابانية للأمن النووي مستوى الخطر النووي الإشعاعي في محطة فوكوشيما إلى الحد الأقصى، أي في نفس خطورة كارثة تشرنوبيل (أوكرانيا) عام 1986، فإذا كانت حادثتا تشرنوبيل وفوكوشيما أمراً غير مقصود، فماذا إن قامت حرب نووية وكانت مقصودة؟ فكم عدد من سيموت من جراء الضربة الأولى، ومن سيتبعهم بالضربة الثانية؟ وهل بعد الخراب التدميري الشامل سيبقى بشر ليشهدوا؟ فإذا كانت الحرب النووية ستفني البشرية، فأي معنى هنا للحديث عن التغيرات اللاحقة للفناء؟ والسؤال: فلم تنتج أسلحة الدمار الشامل إذاً؟ الأكيد أنها تصنّع من أجل التصنيع، لا من أجل الاستخدام، فالإنتاج استراتيجية مربحة في إظهار قوة الردع، وميل الكفة لمصلحة البلد المصنِّع، وإخضاع المجتمع الدولي لشروط المتسلِّح وخصوصاً إذا كان بعقلية إيران المتهورة، أما الاستخدام فيعني الخسارة للجميع، وهو مأزق فكري لمبدأ التسلّح النووي عموماً، فإن حقق التسلّح أهدافه بنشوب الحرب، فستقضي الحرب على الكل بالنظام الذي هيأ لنشوبها، وإذا لم يحقق التسلّح أهدافه ولم تنشب الحرب، فمعناه أن صنّاع الأسلحة وتجّارها، وسياسيي الدول وقادتها قد استنزفوا أثمن الموارد البشرية والمادية في إنتاج لعبة مميتة لن يستخدمها أحد، فلمَ هذا العبث؟ وُجد التسلح لخدمة الأيديولوجيات بمسمياتها، والإشكالية أن إنتاج السلاح وتطويره المستمر إنما يؤدي إلى التضييق على موازنة الدولة، فما بالك بإنتاج السلاح النووي بنفقاته الباهظة وبتحمل أعباء تأمينه؟ فلا تقنعني بأن تكاليفه لم تقتطع من قوت الشعب، ولم تكن على حساب تنميته وسائر الخدمات التي كانت ستقدم إليه ومن حقه، ثم حرم منها (إيران)، وهذا التسابق المجنون للأسلحة أحدثته أولاً الولاياتالمتحدة الأميركية، فالقنبلة الذرية والهيدروجينية والطائرات الأسرع من الصوت، هذه كلها بدأت من هناك، صحيح أن السوفيات افتتحوا عصر الصواريخ، غير أن التطوير العسكري للصواريخ وشن حروب الفضاء قد تم على أيدي الأميركيين بعرابهم الرئيس ريغان ونظامه الذي عرف ب «حرب الكواكب»، وتتلخص فكرته في اصطياد الصواريخ المعادية قبل وصولها إلى أهدافها، والسؤال: هل ستضمن تلك الشبكة الدفاعية المتقدمة اصطياد جميع صواريخ العدو جواً، أم أن بعضها سيصل إلى هدفه الأرضي؟ وبالطبع صفة «الدفاعية» هنا مخادعة، فعن أي دفاع نتكلم والصواريخ الأميركية ستلحق بالمهاجم خسارة تدميرية لا تعقبها أية ضربة مضادة، والحق أن العقيدة الأميركية ترتكز على أن التفوق التقني الهائل سيضمن الخسارة «النسبية» للطرف الغالب، وفناء «كاملاً» للطرف الخاسر، وبذلك يسود العالم من غلب وعاش وبلا منافس؟ فهل سيبقى ما يسود ويُساد بعد النووي؟ هذا هو السؤال! «على افتراض» أن المجزرة النووية الكبرى وقعت، وقُتل سكان العالم إلا النزر القليل، فخرجت القلة من مخابئها المحصنة إلى العالم الخارجي بعد شهور من العزلة، فهل نتوقع لفئة عانت أقسى تجربة بشرية أن تعود إلى طبيعتها الإنسانية؟ أن تستعيد أسلوب حياتها بتفكيرها القديم؟ أم أنها ستبحث عن الغذاء والماء فلا تجده إلا ملوثاً، ثم لا تلبث أن تتعرض إلى الموت بالإشعاع المتسرِّب، فماذا عن الأيديولوجيات موضع نشوب الحروب؟ ماذا عن طموح السلطة؟ عن الربح والتربح؟ ماذا عن كل شيء؟ فاذا اكتسبت الصراعات الحالية معناها من الظروف الحالية، وإن تبدلت المعطيات جذرياً، فالمنطقي أن يتحول النزاع إلى نوع مختلف، فهل يكون على شربة ماء مثلاً؟ تطالعنا الشاشات والصحف بمناظر المئات في أوروبا وأميركا واليابان يرفعون اللافتات ضد مشاريع التسلّح، متظاهرين ليسدوا مدخلاً لقاعدة صواريخ، أو لاعتراض سبيل قافلة لأسلحة دمار أو زيارة محملة بأخطار عسكرية، أما في عالمنا العربي فلم نشهد يوماً تظاهرة ضد التسلّح الإيراني أو الإسرائيلي، وكأن البلدين ليسا في نواحينا، وكأن أرض إيران بالذات ليست موعودة بالزلازل، وكأنه شأن للآخرين ولا يعنينا، وهما صورتان تعكسان الفارق بين إلمام الوعي الأجنبي، وانعدام الوعي العربي، المسؤولية واللامسؤولية، الاهتمام واللامبالاة، فما دام النَفَس العربي أثبت أنه مستعد للاحتجاج، فلم لا يتصدى ولو بالأناشيد والزهور في موقف واضح ومحدد لقضية التجارة بالموت؟ ليسمع العالم أن قضية «شرق أوسط خال من السلاح النووي» هي قضيتنا قبل أن تكون مطلباً أميركياً، وكما على إيران توقيع اتفاقية نزع السلاح النووي، على إسرائيل الدخول في المعادلة، وما دامت أميركا الحلوة راعية «الشعب قال، والشعب زاد»، فلتستجب لرغبة الشعب العربي إن اعترض على تسلّح إسرائيل، ولتُحْرَج إيران عندئذ دولياً وإقليمياً ومحلياً، فلا تنهِ يا أميركا عن أمر، وتسمحي لحليفك به، ليبقى السؤال: متى سيقول العرب كلمتهم في التسلّح النووي، أم أن السلطة هي كل شأننا؟ [email protected]