تعرف المجتمعات المختلفة ظاهرة «التصابي»، التي تحاول فيها سيدة ناضجة أن تبدو كفتاة قد تجاوزت للتو سن المراهقة. ترتدي ثياباً توحي بصغر سنها، وتعاشر أحياناً من هم في سن أبنائها وبناتها. وليس غريباً أن يثير مثل هذا التصرف من نساء يُفترض أنهن ناضجات، همزاً ولمزاً... وأحياناً سخرية وتهكماً. لكن «التصابي» قد لا يَلقى بالضرورة الهمزَ واللمزَ ذاتهما بين مجتمع وآخر، ف «التصابي» في بريطانيا بات اليوم، على ما يبدو، جزءاً من واقع اجتماعي يتم تقبله في كثير من الأحيان، ويتعلق أساساً بالحريات والحقوق التي تتمتع بها المرأة وتتيح لها أن تفعل ما تشاء في حياتها الخاصة، بعيداً عن رقابة الأهل وأعين الجيران (الذين غالباً لا يعرف بعضهم بعضاً في الحي الواحد). كاثرين، الامرأة الخمسينية التي تسكن منزلاً ريفياً فخماً في مقاطعة ساري المجاورة للندن، مثالٌ على هذا الواقع الاجتماعي البريطاني، الذي يسمح للنساء بأن يتصابَيْن كما يشأن، وإنْ لَمَزَ مَن لمز وهَمَزَ مَن همز، فهذه الامرأة، التي تشي بَشَرَتُها بعمرها الحقيقي (مطلع الخمسينات) على رغم كل المساحيق التي تستخدمها، لا تخشى همزاً ولمزاً، فهي تعرف ما تريد. تعمل كاثرين بجِدٍّ في مصرف معروف في حي المال في لندن، لكنها ما أن يأتي مساء يوم الجمعة، وهو بداية عطلة نهاية الأسبوع في بريطانيا، حتى تبدأ رحلة البحث عمّا تريد حقاً: قضاء وقت ممتع، فتتبرج وترتدي أكثر الفساتين إثارة، وكأنها في العشرين من عمرها، وتبدأ «جولتها» بين روّاد الحانات في الفنادق الفارهة وسط لندن. لا تبحث كاثرين عن رجال عازبين أو مطلقين في سنّها، يبحثون عن صديقة يقضون معها بقية العمر، فهي لا تبحث سوى عن الشبان في العشرينات أو الثلاثينات من عمرهم. «تصطاد» واحداً منهم كل أسبوع، وهي تفعل ذلك منذ سنوات، وتحديداً منذ أن تطلقت وصارت «حرة»، على رغم أن لديها شاباً وشابة قد باتا في سن النضج. وليس واضحاً هل ابنها وابنتها يعرفان بتفاصيل حياتها الخاصة، لكنها على الأرجح لا تبالي. كاثرين ليست حالة فريدة من نوعها في بريطانيا، فالحانات والملاهي الليلية تعجّ ليس فقط بالشبان والشابات في مقتبل العمر، بل أيضاً بأعداد موازية من الرجال والنساء الناضجين في الأربعينات والخمسينات والستينات، فالحرية التي يتيحها المجتمع البريطاني تجعل من مثل ذلك التصرف أمراً مقبولاً إلى حد كبير، حتى ولو أثار بعضَ السخرية والتهكم، خصوصاً عندما يزداد تبرج النساء كثيراً عن حدّه الطبيعي، بحيث تبدو الواحدة منهن وكأنها من المخلوقات العجائبية القادمة من كوكب آخر. وظاهرة تصابي النساء تشمل بالتأكيد أصنافاً مختلفة منهنّ، سواء كنّ متزوجات أو مطلقات أو حتى عازبات، وإن كان الرأي السائد – وهو بالتأكيد ليس بالضرورة صحيحاً – يقول إن المطلقات والعازبات هنّ أكثر ميلاً للتصابي من المتزوجات، لكون نساء الصنفين الأولين ما زلن في إطار البحث عن شريك لحياتهن، بينما المتزوجات لا «يتصابين» سوى لرغبتهن في «خداع» أزواجهن بأنهن ما زلن في «سن الشباب»، أو للفت أنظار رجال آخرين، أو لرغبتهن الذاتية في الظهور بمظهر لائق يَرضَيْن به، وإنْ بدا في أعين آخرين غريباً بعض الشيء. تقول إحصاءات إن حالات الطلاق في الدول الغربية، وبينها بريطانيا، باتت تبلغ الآن حالة من بين كل حالتَيْ زواج، ما يعني أن كثرة من النساء الأربعينيات والخمسينيات والستينيات قد بتن «عازبات»، وفي مقابلهن عدد مماثل من الرجال العازبين. لكن الإحصاءات تكشف أيضاً أن هؤلاء الرجال العازبين الجدد يرغبون في إقامة علاقات مع نساء عشرينيات أو ثلاثينيات، الأمر الذي يُسبب بالطبع مشكلة للنساء «العازبات» الجديدات (المطلقات)، لأنه يحرمهنّ من اللقاء برجال من أعمارهن (لأن هؤلاء يبحثون عن شابات أصغر سناً). ولكن، في حين أن علاقة الرجل الأكبر سنّاً بفتاة تصغره سنّاً كانت دائماً مقبولة اجتماعياً، فإن ذلك لا يسري على النساء اللواتي يقمن علاقة مع شبان أصغر منهن سناً، ويبدأ الهمس بأنهن يتصرفن كالمتصابيات، أو ك «السيدة روبنسون» في فيلم «ذا غرادجيوايت» (المتخرِّج)، إذ تُغري السيدة روبنسون (الممثلة آن بانكروفت) شاباً صغيراً تخرّج للتو من الجامعة (الممثل دستن هوفمان) فيقع لاحقاً في غرام ابنتها (الممثلة كاثرين روس). والظاهر، بحسب ما تفيد بعض الدراسات، أن نسبة لا بأس بها من النساء البريطانيات لم يعدن اليوم يهتممن كثيراً بأن يتم وصفهن بأنهن متصابيات، أو نسخة طبق الأصل عن»السيدة روبنسون»، فقد تقدم المجتمع، وتغيّرت أحوال كثير من عاداته الاجتماعية... ومن بينها ظاهرة تصابي النساء بالطبع، فالنساء قد أصبحن بالتأكيد أكثر ثقة بأنفسهن، ويمكنهن معاشرةَ من يُرِدْن، وارتداءَ أي نوع من الملابس... لكن ذلك لا يعني بالتأكيد توقف الهمس، والسخرية أحياناً على «المتصابيات»... أما المتصابون، ورغم أنهم موجودون بالطبع، فإن المجتمع لا يتناولهم... كما يتناول المتصابيات!