«هيرميس» شركة عالمية واسم مرادف للأناقة والترف والبذخ على الطريقة الفرنسية، والقادمون الى باريس من أنحاء العالم للتسوق وشراء أفخم الحقائب النسائية وأغلاها يقصدون محلات هذه الدار، ومنها بالأخص في شارع فوبور سان أونوري، وهو الشارع الذي تقع فيه أشهر محلات الألبسة الفخمة الفرنسية والعالمية التي تتنافس في واجهاتها وأسلوب عرض أحدث ما لديها. ثمة شخصيات عديدة ساهمت في نجاح «هيرميس»، بعضها معروف كمصممي الأزياء والأكسسوارات، وبعضها الآخر بقي مجهولاً من الجمهور العربي، ومن هؤلاء المصممة التونسية ليلى منشاري التي تولت لسنوات طويلة إعداد واجهات «هيرميس». ويقام حالياً في متحف «القصر الكبير» في باريس معرض بعنوان «هيرميس، عوالم ليلى منشاري»، وهو مناسبة استثنائية للتعريف بنتاج هذه المبدعة العربية التي تعد أشهر امرأة تونسية في العاصمة الفرنسية. من هي ليلى منشاري؟ ولدت عام 1928 في تونس حيث كبرت في وسط عائلة منفتحة على العالم ودرست الفنون، ثم سافرت الى فرنسا حيث تابعت دراستها في معهد الفنون في باريس، وارتبطت بصداقات كثيرة في وسط عالم الموضة والأزياء. من هذه الصداقات ابن بلدها مصمم الأزياء التونسي العالمي عزّ الدين علايا. كما عملت عارضة أزياء لدى «دار غي لاروش» وكانت إحدى نجماتها. غير أن وفاة والدتها أحدثت تغييراً عميقاً في مسيرتها، فتركت عروض الأزياء، وتقدّمت للعمل في مطلع الستينات من القرن الماضي لدى «هيرميس» في مجال التصميم والديكور الفني. وكانت فرصة لتأكيد خصوصية نظرتها وفرادة موهبتها وعلاقتها بالألوان واختيار الأقمشة على أنواعها. ومنذ ذلك الحين، عهدت إليها الدار بمهمات فنية كثيرة. وبين عام 1978 وعام 2013، كانت هي المديرة الفنية وتولت إعداد واجهات المحل في شارع «فوبور سان أونوري» أربع مرات في السنة. المعرض المقام اليوم في متحف «القصر الكبير» هو استعادة لتجربتها لدى «هيرميس» التي استمرت نحو نصف قرن، وهو أيضاً تكريم لإبداعها، ومن المعروف أنها استوحت الكثير من الشرق بصورة عامة، وخصوصاً من وطنها الأم، بالإضافة إلى نهلها من الغرب وأسفارها الكثيرة. عن عالمها الفني تقول ليلى منشاري: «لقد بنيت جسراً بين ضفتي المتوسط، وجمال واجهاتي ينبع أولاً من الذكريات التي تسكن مخيلتي». أشرفت على سينوغرافيا معرض «متحف القصر الكبير» المهندسة الفرنسية المعروفة ناتالي كرينيير التي اشتهرت بإشرافها على معارض كبرى، منها المعرض المخصص لكريستيان ديور في «متحف الفنون الزحرفية»، وقد ركّزت على العالم الخيالي والمتوهج لليلى منشاري وعلى أبعاده الشعرية، حيث ثمة حكاية لكل لون ولكل قماش ولكل مادة. أما المواد المؤلفة من جلد وحرير وكشمير فهي، وفق الكاتب الفرنسي الراحل ميشال تورنيي «ليست مجرد ديكور بل هي العناصر التي يتشكل منها عالم ليلى منشاري الخاص». يؤكد معرض «القصر الكبير» اليوم أن اللمسة التي صاغت واجهات محلات «هيرميس» في العاصمة الفرنسية ذهبت بعيداً لترتقي الى مستوى الفن، وقد اعتبر بعض النقاد أنها تشبه المجسمات التي ينجزها الفنانون التشكيليون ويعرضونها في المعارض والبينالات العالمية. وهكذا تحولت تلك الواجهات الى قطع فنية قائمة بذاتها، فكانت هذه القطع تتجدد باستمرار، وهي وليدة مخيلة لا تنضب وتعرف كيف تدغدغ العين والحواس من خلال مشاهد مصاغة بكثير من الاحتراف والدقة. من هذه المشاهد شاطئ رخامي ومأوى صياد تشابكت فيه أغصان الشجر، أعمدة وأشكال نوافير ماء... وكلّها ينطوي على دعوة الى السفر والحلم. وليس غريباً، والحال هذه، أن نسمع المدير الفني لدار «هيرميس» بيار أليكسي دوما يقول إنها «موهبة نادرة أغنت دارنا برؤيتها النافذة».