ينظم معهد العالم العربي في باريس حالياً معرضاً عنوانه «الشرق هرميس» مخصصاً للتونسية ليلى منشهاري، المرأة الثمانينية التي دخلت إلى خدمة الدار في العام 1961، كمساعدة في قسم تزيين واجهات الدار الباريسية العريقة، قبل أن تتولى في 1978 هذه المسؤولية كلياً وتصبح المشرفة على تغيير مضمون الواجهات مرة كل ثلاثة أشهر، شرط أن يعطي الديكور في كل مرة صورة جذابة ومثيرة لمخيلة المتفرج. تنتمي ليلى منشهاري إلى سلالة منشهاري المتحدرة من جبل منشهار، وهي تعلمت في مدرسة فرنسية في تونس، ما جعلها منذ صغرها ملمة بأصول اللغة الفرنسية، ثم دخلت إلى مدرسة الفنون الجميلة في تونس أيضاً، ومارست السباحة في شكل مواز لتعليمها الجامعي، فكانت أول امرأة تونسية تشارك في مسابقات رياضية رسمية للسباحة. وفي باريس، التحقت منشهاري بمدرسة الفنون الجميلة حيث تخرجت بمرتبة الشرف، فدعتها دار الرسامين في سيغوفيا الإسبانية إلى الإقامة فيها والمشاركة في تعليم تلاميذها، علماً أن الأمر نفسه تكرر في إيطاليا. ثم نشأت صداقة قوية بين منشهاري والمبتكر الباريسي الشهير الآن غي لاروش، فعملت عنده عارضة أزياء في عروضه المحلية والدولية، قبل أن تلتقي أني بوميل، إحدى المسؤولات في القسم الفني لدى دار «هرميس» والتي عينتها مساعدة لها في شأن زخرفة الواجهات. وفي العام 1978 قرر صاحب العلامة جان لوي دوما هرميس تعيين منشهاري رسمياً مسؤولة عن تزيين واجهات المحل الباريسي، تاركاً لها الحرية المطلقة في فعل ما تعتبره الأفضل والسفر أينما وكيفما شاءت طالما أن الأمر يتعلق بعملها، وذلك كله من دون قيد أو شرط سوى ضرورة تجديد الواجهات مرة كل فصل. وترى منشهاري أن مسقط رأسها، تونس، هو هاجسها الأول ومنبع خيالها في كل الأوقات، فهي تعود إلى زيارة حدائق حمامات مرة في كل سنة، باحثة فيها عن العطور والمناظر الطبيعية التي تلهم أي مرء يتسم ولو بروح شعرية خفيفة. فلا عجب أن تكون دار «هرميس» أطلقت في مناسبة الاحتفال بعام حوض المتوسط، عطراً اسمه «حديقة في حوض المتوسط» تميز برائحة ورود حدائق حمامات التي طالما تحكي عنها منشهاري لكل من يحيط بها في عملها. ولا عجب أن تكون تونس منحت منشهاري وسام الشرف عن دورها في نشر الذوق الفني التونسي في الخارج، وأن تكون فرنسا لقبتها بدورها فارسة للفنون والأداب. وأمضت منشهاري أكثر من سنتين في تحضير معرض معهد العالم العربي، ذلك أن تحديد نحو عشرة أعمال من بين المئات التي صممتها لم يكن مهمة بسيطة أو سهلة. وكان عليها - بحسب تعبيرها - الشخصي، أن تعثر على الديكورات المثالية الصالحة لبناء جسر بين الشرق والغرب، خصوصاً أن الإيحاء كثيراً ما يأتيها من الشرق تحديداً ومن الجنوب عموماً، مثل حدائق مدينة حمامات في تونس، ومن القطع الأثرية الهندية والصينية ومن تحف المكسيك وإسبانيا ومن المناظر الطبيعية في كل هذه المناطق من العالم. وتعتبر منشهاري أن إيجاد همزة الوصل بين تحف الشرق الطبيعية والمصنوعة، ومهارة دار «هرميس» في الرمز إلى الذوق الفرنسي الرفيع، هي مهمتها الأولى التي من أجلها طافت أرجاء العالم سنة وراء سنة، باحثة عن أصغر قطعة في سوق أو محل صغير قد لا تعني الكثير محلياً ولكنها تعبر في عين منشهاري عن مزاج أهل بلد محدد أو عن فترة من تاريخه. ويقدم المعرض في إحدى قاعاته الفيلم التسجيلي الذي أخرجته السينمائية الفرنسية جوزيه دايان عن ليلى منشهاري في شكل حوار بين المبتكرة وسيدة الشاشة الفرنسية النجمة السينمائية جان مورو، الثمانينية أيضاً، والهاوية للشرق ولمبتكرات هرميس الفرنسية الأصيلة.