من «الطبيعي» ألاّ تصدق ان كل هذا الذي تراه أمامك هو من صنع شخص واحد إسمه ناصر مخول، من جمع الأغاني الفولكلورية اللبنانية، ذات الطابع القديم جداً، بنصوصها وألحانها كما هي تماماً ومن دون إضافات طارئة عليها شكلاًَ وروحاً، الى التطوير أو التغيير أو التعديل في الآلات الموسيقيّة كالعود والبُزُق وضمّ الأورغ إليها وجعلها جميعها... آلة واحدة، إلى غير ذلك من «الأفعال» التي لا يستطيع فنان واحد أن يتحمّل مسؤولية القيام بها عارياَ من أي دعم مادي وحتى معنوي من وزارة أو هيئة أو مؤسسة رسمية أو خاصة، بل لا يستطيع فنان أن يتجرّأ على إعلان أنه انتدب نفسه لها. وفوق كل ذلك هناك الاندفاع، ناصر مخّول متفرّغ جملة وتفصيلاً إلى الفن، غناءً فولكلورياً، وعزفاً، وتقنيات. ورحلات فنية لتمثيل لبنان في عدد من البلدان العربية والغربية، وأغلب المرات بتكلفة تفوق طاقته على الاحتمال لولا إيمانه بقضية الفن اللبناني كما يقول صادقاً. آخر «مغامراته» مع الأصول الغنائية كتابان من تأليفه أحدهما يتضمّن 42 أغنية شعبية - فولكلورية قديمة ترجمت نصوصها إلى الانكليزية والفرنسية. والآخر يتضمن اختراعات وبحوثاً في الآلات الموسيقية مع صور ورسوم تحدد هيكلية تلك الآلات وكيفية تحويلها ووضعها في أشكال جديدة. ومع هذين الكتابين هناك «مغامرة» أخرى موازية، هي إصدار قرصين مدمّجين للأغاني الفولكلورية الإحدى والأربعين المذكورة في الكتاب الغنائي، بتسجيل في الاستوديو، متميّز يركّز على النوتات الموسيقية والجمل اللحنية والكلمات المصاحبة بأسلوب علمي دقيق، يستطيع أي دارس أو باحث في الموسيقى أو في الماضي الفني الرجوع إليها، والاستناد إليها، لمعرفة أساس تلك الأغاني إن لجهة «الروايات» الشعبية حول نشأتها، أو لجهة بعض أقدم الكلمات التي عرفت بها. والألوان المُعتّقة التي يذكرها مخّول في الكتابين ثم في القرصين المدمّجين (المنجزين بدعم من وزارة الثقافة) هي جزء من الذاكرة الغنائية، أما الجزء الآخر الذي حرص عليه مخول أيضاً وبإصرار فهو فنون الزجل... إذ أن الزجل، بالنسبة الى التراث اللبناني، هو لون من ألوان الغناء، وليس فقط لون من ألوان القوْل أي النظم الشعري، فالقصيد والمعنى والموشح والعتابا والميجانا والموّال اللبناني والبغدادي والمخمس مردود وغيرها كلها من أنماط الغناء لا من أنماط الزجل فقط، وكلها موجودة، بالتفصيل، وبالتحديد، في كتابيّ مخّول وقرصيه المدمجين اللذين يتبين أن خلفهما عناية موسيقية –تاريخية واسعة ودقيقة حاول هذا الفنان أن ينجز من خلالها عملاً فنياً رائداً... وهكذا كان. ولقد دعت «الحركة الثقافية - انطلياس الى تكريم مخول تحت عنوان «يوم ناصر مخول»، فكان يوماً أفرد فيه المكرّم ما عنده فأدرك الكثيرون ما جهلوا عنه، من الفرقة الفولكلورية السياحية التي شكّلها عام 1968 بجهد فردي وطار بها سنوات طويلة حاملاً الغناء اللبناني القديم إلى أكثر من 73 بلداً حيث أقام أكثر من 186 مهرجاناً، حائزاً 15 شهادة تقدير و28 درعاً ووساماً... وصولاً الى وضع عصارة تفكيره وجهاده الفني في الكتابيْن والقرصين المدمّجين المذكورين. ليست نادرة المرات التي أطلّ فيها ناصر مخول على شاشة التلفزيون متحدِّثاً عن نشاطه الفني خارج لبنان، وكاشفاً أسرار «اختراعاته» الموسيقية على الملأ بشواهد حية عزفاً وأصواتاً. إلاّ أن اهتماماً جدياً لم يحصل بعد تجاهه. وباستثناء دعم «مؤسسة عصام فارس» التي رعت المعرض الموسيقي الذي أقامه أخيراً، ومساعدة وزارة الثقافة قبل سنتين لانتاج الكتابين والقرصين المدمّجين، فإن ناصر مخّول كان ولا يزال يعمل منطلقاً من منطق أن في لبنان أموالاً كثيرة إنما لا تصل الى الفنون الراقية إلاّ... بالمصادفة! يبقى المهم طبعاً... أن تصل.