يعود الفنان جورج وسّوف الى الفولوكلور عودة الإبن الشاطر لا الضال. ولا يكاد يتوافر بين المغنين والمغنيات اليوم من يستطيع أن يتصرّف بصوته في الباب الفولوكلوري كما في الباب الكلاسيكي الثقيل كما يفعل هو، تحديداً في أغنية «لا تروح» في الألبوم الأخير «الله كريم» التي يمكن أن تكون مثالاً ساطعاً عن قدرة هذا الصوت الاستثنائي على التلوّن والإنفعال في نوعين من الأداء يصعب على صوت بعينه أن يجمعهما، بالاتقان نفسه... في أغنية . النوع الأدائي الأوّل هو الكلاسيكي الذي يصفه بعضهم بأنه مديني «طربي». اما النوع الادائي الثاني فهو «النوري» أو «الغجري» الذي يوصف بأنه ريفي إيقاعي فولوكلوري. صوت جورج وسّوف يأتي من جذور «طربية» حيناً ومن جذور فولوكلورية حيناً آخر، بكل ما للفولوكلور من مستويات في الغناء، وبكل ما فيه من الضروب والأجناس. على أن الضرب «النوري» هو الأدق لأنه يحتوي على تقنيات صوتية غير متاحة أمام كثيرين ممن يغنون الأغاني الفولوكلورية، فضلاً عن أنه مفعم بالحركات الصوتية الغريبة التي تفاجئ السمع، وتتطلب مهارة خاصة لا يكستبها المغني عادة بشكل جدي في المراس بل من النشأة الفنية والانتماء أساساً. جورج وسوف بهذا المعنى ذو أصول فولوكلورية – «نورية» ، اضافة الى الأصول الكلاسيكية المعروفة عنه... عودة بالذاكرة الى بداية جورج وسّوف الغنائية: موال «حاصبيا»، وأغنية «ماما يا ماما» والكثير من العتابا والميجانا. أي الغناء ذاته الذي انطلق منه قبل سنوات قليلة المغني علي الديك: «الحاصودي» والعتابا والميجانا. ففي البادية السورية ينتشر هذا النوع من الغناء بطريقة عفوية، وهو ليس سهلاً كما يبدو لبعض المتعجلين في الأحكام على المغنين والغناء، بل يتميز بأنه ذو متانة وصلابة نابعة من الفطرة لا من التعقيد. واذا كان نموذج الفولوكلور الأخير علي الديك قد استقر في لون غنائي واحد ولا يزال يسبح فيه ويخشى أن يغرق بالمعنى السلبي، أي بمعنى التكرار والروتين، فإن جورج وسّوف «هرب» سريعاً من الفولوكلور إلى أغاني «الطرب» الشعبي، المصري تحديداً، انسجاماً مع ميوله الإدائية أيضاً. وفي وقت قياسي استطاع وسّوف أن يفرد له مكاناً خاصاً بين نجوم اللّهجة المصرية، والأغاني الجديدة لكن القوية في ايقاعاتها وتركيبات جملها اللحنية، وغاص في البحر المصري الجديد – القديم، وحل ضيفاً كريماً على الجمهور المصري والعربي الذي وجد في صوته نكهة جديدة ان على صعيد اللفظ أو أوتار الحنجرة أو طريقة الأداء «الخاصة» جداً، والتي تحوّلت ظاهرة بعد انضمام عدد من المغنين الى تلك الطريقة الأدائية. في أغنية «لا تروح» من ألبوم « الله كريم» هناك جورج وسّوف الهاوي الذي جذب الناس ب «حاصبيا» صوته مطلع ثمانينات القرن الماضي، وهناك جورج وسّوف المعتّق في الأداء الشعبي الثقيل. ولعل من يدقّق في بيت العتابا «ياحيف» الذي ينشده وسوف في قلب أغنية «لا تروح» أفضل برهان على طواعية بل على المزج الجمالي الجذاب بين اسلوب الغناء الشعبي المديني واسلوب الغناء الشعبي «النّوري» في صوت واحد هو صوت جورج وسّوف. والعتابا «النّورية» تختلف في كثير من تفاصيلها وحيثياتها عن العتابا «الحضرية» المعروفة بين لبنان وسورية وفلسطين حيث الفولوكلور يشرب من ينابيع واحدة غالباً: العتابا «النورية» أكثر التصاقاً بالأنين والحنين والألم العاشق، أما العتابا «الحضرية» فدخلتها الحركات اللحنية والصوتية التي خفّفت من أنينها وحنينها وألمها وجعلتها «فراقيات» لكن من دون «عذاب»... غنائي. ليس غير جورج وسّوف يقدر على هذه الجماليات.