رَفْضُ الأساتذة الايرانيين تدريب الفنان اللبناني هياف ياسين على العزف على آلة «السنطور» الموسيقية، قاده الى اختراع آلة شبيهة، بروح شرقية، عاملاً بنصيحة الدكتور غلام رضا مشايخي على دراسة الآلة و «تفاصيلها» وإدخالها الى عائلة الآلات الموسيقية الشرقية الوتريّة. أكمل ياسين بحوثه حول الآلة، وتوصّل الى ابتكار أول قطعة منها «لبنانية 100 في المئة» قبل خمس سنوات، وما لبثت أن وجدت ضالتها لدى عشاق الموسيقى الوترية الشرقية في قرى عكار (شمال لبنان)، حيث يقطن ياسين، وبات الآن أستاذاً لأكثر من 1500 طالب موسيقي، وصانعاً لأول آلة موسيقية لبنانية. ينتمي هياف ياسين الى جيل يؤمن بجمالية الموسيقى العربية. ترعرع على صوت أم كلثوم وعبدالحليم حافظ، وثار على التقليد الموسيقي الكلاسيكي العربي بصفته «لا يسترعي انتباه الشباب ولا يلبي رغباتهم»... فآثر إحداث ثورة في عالم الموسيقى الكلاسيكية العربية، يبدأ من اختراع السنطور، ولا ينتهي بشدّ عصب الشباب العربي باتجاه مقامات «بدأ الجاز يقتلها، ويسحقها الراب»، على حد قول ياسين. استعراض وعزف حنون للسنطور حكايته الخاصة عند هياف ياسين. ففي المقام الأول، هو آلة تاريخية وجدت قبل 3000 سنة، وعزفت بين 8 آلات في عهد نبوخذ نصر، ثم انتقل الى الهند وإيران وأوزبكستان وغيرها من بلدان آسيا الوسطى، ووصل الى العراق «بحكم التقارب الجغرافي»، الا أن هذه الآلة التي انبثقت منها آلات كثيرة أكثر تطوراً في ما بعد، كالبيانو، «بدأت تموت في العصر الحديث»، فعمل ياسين على تطويرها، وروّض أوتارها لتعزف الموسيقى الكلاسيكية العربية، وأضاف اليها عشرات الأوتار ليصبح عدد أوتارها الآن 135 وتراً تعزف المقامات الموسيقية الشرقية، كمقام «الصبا» ومقام «نهوند». ولعلّ ما دفع الجمهور لحب هذه الآلة، على حدّ قول ياسين، «الحركة الاستعراضية التي يقوم بها العازف أثناء العزف، حيث يرفع يديه ويضرب بالمضارب النحاسية أوتارها الناعمة والغليظة، فتصدر صوتاً حنوناً أشبه بصوت القانون، وتصدر رنّة جميلة حين تضرب الأوتار الغليظة». وعلى أي حال، يشبه السنطور الى حد كبير القانون، وهو «ينتمي الى عائلة قيثارة الطاولة، الا أنه يزيده بنحو ثمانين وتراً من أوتار الفولاذ الأبيض والنحاس، خلافاً لأوتار القانون الخمسين المصنوعة من النايلون». صناعة السنطور يهتم الباحثون بمعرفة أصل تسمية السنطور، فالبعض يؤكد أنها يونانية، وتعني الترنيم، فيما يقول البعض انها فارسية وتعني صوت ارتطام الموج بالصخر. واذا كانت تلك الآلة، بتسمياتها المتشابهة، تنطلق من آلة «السنطير»، فإنها لا تمتّ بصلة الى سنطور هياف ياسين. وتحتاج صناعة هذا السنطور الى شهرين، تبدأ من صناعة الهيكل خلال 40 يوماً، ثم يعمل ياسين على صناعة الاكسسوارات والأوتار وتوزيعها في أماكنها قبل أن يبدأ بِ «دوزنة الأوتار». ويلعب السنطور اللبناني كل الأنواع الموسيقية العربية و «تلبّي العُرب الموجودة في القانون من خلال زيادة مواضع عليها، وكلها تطاوع الأذن العربية وتألفها». وقد صنع حتى الآن نحو 170 قطعة منها خلال خمس سنوات. حفلات وسنطور تربوي على رغم غياب الدعم الرسمي، تلقى هذه الآلة رواجاً لدى الفئات العمرية الشابة في معاهد الموسيقى في شمال لبنان، وفي الجامعة الأنطونية حيث يدرّس ياسين الموسيقى لطلاب المعهد الأنطوني في بعبدا (جبل لبنان). وتوصّل ياسين، بفضل محبة الناس للآلة، الى اصدار الألبوم الموسيقي الأول لفرقة «غزل»، يلعب السنطور في تلك الموسيقى دوراً كبيراً في تقسيم العُرب و «غربلتها». وأحيا عدداً كبيراً من الحفلات الموسيقية في روما وباريس وميونيخ ولندن، واخترع نسخة مصغرة عن السنطور أطلق عليها اسم «السنطور التربوي»، وهي تتألف من ثمانية أوتار يسهل على الأطفال ضربها. من «عائلة» القيثارة عن تعرفه الى آلة السنطور، يقول هياف ياسين: «عام 2001، أقيمت حفلة في قصر «الأونيسكو» في بيروت، غُنّيت فيها أشعار «الشيرازي» وهو شاعر صوفي فارسي، وقد كانت فرقة موسيقيّة إيرانية تؤدّي فيها آلة السّنطور ويعزف عليها العازف غلام رضى مشايخي الذّي تحوّل إلى أعزّ صديق لي في ما بعد». ويضيف: «السنطور هو الآلة الوحيدة في تقليدنا التّي يعزف عليها ضرباً بتقنية إيقاعيّة للحصول على أنغامٍ وألحانٍ، ما يدعنا نتصوّر روحيّة جديدة لألحان تقليدنا على هذه الآلة، بالإضافة إلى ابتكار نمط من الجمل اللحنيّة، جديد ومختلف، ولكنّه في الوقت ذاته متوافق ومنسجم مع حيثيّات تقليدنا الموسيقي». هي آلة من عائلة القيثارة، صنف قيثارة الطّاولة، أو صنف قيثارة اللّوح، لها شكل يشبه «شبه المنحرف المتساوي الأضلاع»، وعليها أوتار مشدودة معدنيّة (نحاس، فولاذ، حديد...)، ويُلعب عليها «ضرباً» بخشبتين (أو خشبة واحدة قديماً)، هي شكل من أشكال السّنطور الحديث المتعارف عليه منذ أكثر من مئتيّ سنة في بلاد المشرق. أمّا بالنسبة الى الشّكل الحالي اليوم للسنطور، فيمكن تقسيمه فعلياّ إلى 14 قسماً.