أظهرت الانتخابات الإقليمية في فرنسا ضعف شعبية الرئيس نيكولا ساركوزي، الذي إذا بقيت شعبيته عند هذا المستوى في عام 2012 موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية، لن يتمكن من الفوز بولاية جديدة، فرسمياً، لم يعلن بعدُ عن إعادة ترشيحه لهذه الانتخابات، ولكن لا أحدَ في أوساطه يشك في حتمية ترشيحه مجدداً. وعلى رغم تحركه على الساحة الدولية لدفع التحالف الدولي لوقف مجزرة القذافي إزاء شعبه ومساعدة الثوار والمدنيين، وهو تحرك يحظى بتأييد كل الأحزاب المعارضة، الاشتراكية وغيرها في المعارضة، لم يتمكن ساركوزي من تحسين صورته لدى الشعب الفرنسي. والمؤسف بنتيجة ذلك، أن موضوع الإسلام ومسلمي فرنسا تحوّل الى قلب سباق انتخابي بين انتهازيي حزب ساركوزي الحاكم (الاتحاد للحركة الشعبية)، مثل أمينه العام جان فرانسوا كوبي وأركان حزب اليمين المتطرف (الجبهة الوطنية)، الذي تتولى قيادته السيدة مارين لوبن وريثة والدها جان ماري لوبن، الذي عمل حزبياً على تغذية مخاوف الأوساط الشعبية اليمينية في فرنسا من الأجانب والعرب والمسلمين واليهود. فها هو حزب ساركوزي يحاول كسب أصوات هذا اليمين المتطرف المتصاعد في فرنسا ويركز على المخاوف من كل مظاهر الإسلام المتطرف. كان كوبي أول من كافح من أجل منع النقاب، والآن تم إقرار 5 نيسان (أبريل) موعداً لمناقشة «العلمانية» في فرنسا. ومن يقرأ الصحف من الفرنسيين ويسمع أقوال كوبي والجدل الدائر حول الإسلام ومظاهر الدين الإسلامي، يعتقد أن خمسة ملايين مسلم في فرنسا من أصل شعب يبلغ تعداده حوالى 68 مليوناً، يهددون حياة باقي مواطني فرنسا. واقع الحال، أن مشكلة فرنسا الأساسية تكمن في البطالة، التي هي بمستوى 10 في المئة، وفي غلاء المعيشة والأوضاع الاقتصادية المتردية في كل أوروبا، بل في العالم بأسره، فقضية النقاب، ولو أنها هامشية بالنسبة الى القضايا المعيشية الاساسية، تنبثق عن وسط لا يمثل أكثر من مئات السكان في أحياء من مدن فرنسا، في حين أن البطالة والأوضاع الاجتماعية المتردية هي أساس المشكلة، لأنها تهدد السلم في ضواحي المدن. فالتركيز على مظاهر الإسلام ومناقشتها وإثارتها يعزز موقع العنصريين في فرنسا ويساهم في تغيير صورة فرنسا الجمهورية التي تقوم على قيم المساواة والتسامح والديموقراطية، فإستراتيجية الخوض في نقاش العلمانية وإدخال مواضيع الإسلام والدعوة الى منع مستخدمي النقل العام من أن تكون لهم مظاهر دينية، هي إستراتيجية عقيمة، فالمشكلة ليست في مظاهر الدين، بل في الصعوبات المعيشية. يرى الانتهازيون في حزب ساركوزي، أن لا مانع لمؤيدي الحزب من التصويت للجبهة الوطنية اذا كان هناك احتمال لفوز هذه الجبهة في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 2012. ولحسن الحظ، هناك من يتصدى لذلك من الحزب الحاكم، فرئيس الحكومة فرانسوا فيون ووزير الخارجية ألان جوبيه ووزير المالية فرانسوا باروان، يرفضون مثل هذا التحالف مع حزب يميني عنصري بعيد كل البعد عن قيم الجمهورية. في كل الأحوال، ومهما كانت دعوات كوبي ومحاولات ساركوزي لاستقطاب المواضيع التي تمثل تعبئة لليمين المتطرف مثل الإسلام، فإن تدني شعبية ساركوزي له أسباب أخرى، إضافة الى الأوضاع المعيشية والبطالة، فشخصيته كما تظهر للشعب الفرنسي مغايرة للصورة الرئاسية التي يرغب المواطن الفرنسي في أن تكون لرئيسه، فهو كثير التوتر ومزاجي، كما أن أسلوبه المهيمن وقناعته أنه هو الأقدر ودائماً على حق، عززت هذا التدهور في شعبيته، وعلى أنه لا تزال هناك سنة أمامه ليستعيد ثقة الشعب به، فمن الصعب أن ينجح في ذلك، كما أن من الصعب أو المستحيل أن يتخلى عن إعادة ترشيح نفسه لمصلحة شخصية أخرى من حزبه قد تحظى بشعبية أفضل، مثل فيون أو جوبيه. وحتى لو تخلى عن ترشيح نفسه لمصلحة شخصية أخرى، فسيكون ذلك خسارة محتمة للحزب الحاكم.