وسط جدل يثيره في فرنسا النقاش الذي اقترحه الرئيس نيكولا ساركوزي حول «العلمانية» نشر في الجريدة الرسمية نص المرسوم التطبيقي لقانون حظر النقاب الذي يدخل حيز التطبيق في 11 نيسان (ابريل) المقبل. وفيما أشارت وزارة الداخلية الفرنسية الى أن القانون يطاول أقل من ثلاثة آلاف امرأة في فرنسا، فإنه سيشمل أيضاً الزائرات الاجنبيات. وتفيد الملصقات التي أعدت بهدف توضيح وتبسيط مضمون القانون انه لا يحق لأي كان «ارتداء ما يمكن ان يخفي وجهه في الأماكن العامة». ومن المرتقب ان تتولى الشرطة الفرنسية السهر على تنفيذ هذا القانون، الذي يعرّض من تخالفه الى غرامة قدرها 150 يورو، وينص على عقوبة أكثر تشدداً بحق كل من يرغم امرأة على ارتداء النقاب. ويأتي هذا المرسوم بعد مضي حوالى ستة أشهر على اقرار قانون حظر النقاب الذي أثار انقساماً كبيراً في الوسط السياسي والإعلامي والاجتماعي. ويتزامن موعد تطبيق القانون مع الموعد المحدد في 5 نيسان (ابريل) المقبل لنشر حصيلة النقاش الذي اقترحه ساركوزي وكلف به الأمين العام لحزب «الاتحاد من أجل الحركة الشعبية» (الحاكم) جان فرانسوا كوبيه الذي يعد أكبر الذين دافعوا عن قانون حظر النقاب. وكان ساركوزي اقترح في البداية أن يكون محور هذا النقاش الإسلام في فرنسا، بعد أن أعلن في تصريح له عن فشل التعددية الثقافية داعياً الى طرح المشاكل المتعلقة بممارسة الدين الإسلامي ومدى تطابقها مع القوانين العلمانية. لكن هذا الاقتراح الذي ترافق مع تحركات الاحتجاج المتتالية التي يشهدها العالم العربي والتغيير الذي نجم عنها، بدا غير مؤات للمعارضة اليسارية، وأيضاً لبعض المسؤولين اليمينيين. ورأت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي (المعارض) ان موضوع الإسلام في فرنسا، هو أبعد ما يكون عن أن يمثل الشغل الشاغل للفرنسيين القلقين من البطالة والتدني في مستواهم المعيشي في ظل الأزمة الاقتصادية. وضمت شخصيات يسارية متعددة صوتها الى صوت أوبري للتشكيك في أهمية وجدوى مثل هذا النقاش، لكن أصواتاً معارضة ارتفعت أيضاً من داخل الفريق الحاكم وعلى لسان شخصيات مثل رئيس الحكومة فرانسوا فيون ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه وأيضاً وزير الخارجية آلان جوبيه الذي استبعد وجود عدم تطابق بين الإسلام والقيم الجمهورية، مؤكداً ان «للإسلام مكانته الكاملة في فرنسا». ووسط هذه الأجواء، تم تعديل عنوان النقاش ليصبح نقاشاً حول «العلمانية» بحيث يكون موضوع الإسلام من بين البنود التي تتم مناقشتها على ما أوضح كوبيه في تصريح له. وعلى رغم هذا التراجع، فإن الانطباع السائد في أوساط فرنسية واسعة هو ان المقصود بهذا النقاش الذي يأتي قبل حوالى عام على موعد الانتخابات الرئاسية، يهدف عملياً الى كبح صعود زعيمة «الجبهة الوطنية الفرنسية» (اليمين المتطرف) مارين لوبن في الاستطلاعات. وما يعزز هذا الانطباع هو ان ساركوزي الذي شغل منصب وزير للداخلية قبل توليه الرئاسة، على إدراك تام للمشكلات المزمنة التي يواجهها مسلمو فرنسا وفي مقدمها نقص عدد المساجد وإعداد أئمة محليين ينطقون بالفرنسية وغير مستوردين من الخارج. ومن المنطلق نفسه، فإنه يعرف أن حل هذه المشكلات معروف، لكن العقبة التي يواجهها هو عدم توافر التمويل اللازم في ظل قانون عام 1905 القاضي بفصل الدين عن الدولة، ويحول بالتالي دون تمويل هذه الدولة لبناء المساجد وغير ذلك.