علي الحاج القيادي البارز في حزب حسن الترابي (المؤتمر الشعبي) التقى رئيس حزبه في الدوحة قبل أيام، وشدد في حديث إلى «الحياة» على ضرورة تغيير القوانين المقيدة للحريات في السودان، مستدركاً: «من يضمن تغييرها إذا مات الرئيس»؟ ورأى أن حزبه تعلم من دروس السنوات الماضية و «نحن منفتحون على الجميع، أجرينا مراجعات»، وحض الرئيس البشير على إطلاق «المحكومين والمعتقلين (السياسيين) كافة». وعن رؤيته لسيناريو الأحداث ما بعد اللقاء التشاوري بين الرئيس السوداني وقوى سياسية معارضة في إطار الدعوة إلى الحوار قال: «أعتقد بأن الأجندة كلها بعد لقاء الرئيس متروكة للقوى السياسية، لأن الحوار بلا شروط وبلا حدود وبلا سقوف، وعلى القوى السياسية مسؤولية كبيرة الآن، وأقول هذا الكلام حتى للذين لم يحضروا الاجتماع (بعض الأحزاب قاطعت لقاء البشير)، وأعتقد بأننا نحتاج إلى إسراع في العمل، وأن تكون هناك آلية إدارية للحوار تتفق عليها القوى السياسية كافة». ووصف تلك الآلية بأنها «محايدة، وهي التي تحدد الأمور الإجرائية كالاجتماعات والمواصلات والاتصالات، هي آلية محايدة لكن الحكومة تمولها من دون شك». وعن صدقية الحكومة في تطبيق قرارات في شأن حرية العمل السياسي والإعلامي، خصوصاً أنها أعلنت في أوقات سابقة عن قرارات ولم تطبقها، قال: «هذا محك، لا بد من أن تطبق، هذا كلام قاله الرئيس ومعلن، وإذا حدثت أية نكسة أو لم يطبق ذلك الكلام سيطاح الحوار. على القوى السياسية أن تبني على هذا القول، وترى كيف تتعامل مع كلام الرئيس، ومن يشك في الموضوع فليجرب». وسئل عن أن قرارات الرئيس عن حرية العمل السياسي والإعلامي نصت على أن يتم ذلك وفقاً للقانون، ومعلوم أن هناك قوانين تسلب الحريات، فأجاب: «هناك قانون قائم والدستور كله عند الرئيس الآن وبيده الأمر، ما عندنا جهة أخرى، نحن لا نبدأ من فراغ، هناك رئيس جمهورية موجود وقوانين موجودة، نريد تغييرها، ونحن لا نبدأ من فراغ. المقترحات تأتي من اللجنة نفسها (لجنة الحوار) أو من القوى السياسية عبر إجراءات معينة لترفع إلى الرئيس، وإلى أن يتم ذلك فالرئيس اعتبر (كما فهم كلامه) كأن تلك القوانين مجمدة، أو معطلة إلى أن تأتي قوانين أخرى، والقوى السياسية التي تناقش وتحاور هي التي تأتي بها، هذه مسألة مهمة جداً». وهل تعتقد بأن هناك قوى داخل نظام الرئيس البشير تشكلت على مدى سنوات، ولها مصالح يمكن أن تعيق تطبيق نيات الرئيس؟ أجاب: «هذا وارد، لكن، بالإعلام والإصرار وبأخذ القوى السياسية هذا الأمر جدياً (الحوار) فإن القوى التي تعمل في الظلام ستندحر، لا أشك في ذلك، ولكن لا نوهم أنفسنا بأنه لا توجد قوى معارضة (داخل النظام للحوار)». وأضاف: «هناك أشياء طلبتها مثل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وهناك محكومون لم يطلق سراحهم وهناك القوانين المقيدة للحريات». وسئل عن تعهد الرئيس البشير في شأن ضمان أمن ممثلين للحركات التي تحمل السلاح، فأجاب: «دعوة الرئيس الحركات والجبهة الثورية للحضور إلى الحوار خطوة إيجابية، وأعتقد بأنها تزامنت مع دعوة مفتوحة للقوى السياسية، أنا دائماً أحب التزامن، الأمر الآن متروك للحركات أو للجبهة الثورية لتقول كلمتها، سواء بالتجاوب مع كلام الرئيس أو رفضه، ورأيي أن تتجاوب لكن القرار قرارها». وهل ترى إمكان أن تشارك القوى التي تحمل السلاح في الحوار؟ قال: «أتوقع أولاً أنه ما دام هناك دعوة من الرئيس أن يكون هناك شيء مقابل ويكون إيجابياً، الأمر متروك لهم. لا أتحدث نيابة عنهم، وأقول إنه من خلال لقاءات تمت في جنيف في تموز (يوليو) 2012 بين الجبهة الثورية والمندوب الأميركي لدى السودان آنذاك، وأنا لم أكن طرفاً في الاجتماع ولكن كنت حاضراً وعلمت بما تم، فإن أهم ما جاء في الاجتماع الاتفاق على أن قضايا السودان يجب ألّا تتجزأ، وأن تعالج في إطار واحد، وهم ضد تجزئة قضايا جنوب كردفان ودارفور وغيرها. وعقد اجتماع آخر في جنيف أيضاً في تموز 2013، وترأس وفد الجبهة الثورية منى آركو مناوي (نائب رئيس الجبهة) وكنت حاضراً في ذلك الوقت، وفي حضور سفراء أوروبيين والسفير الأميركي، وكلنا شددنا على موضوع الحل الكلي (لقضايا السودان)، ثم في تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي التقيت الجبهة الثورية في باريس وكان التركيز على الحل الكلي لقضايا السودان، وأعتقد بأنهم متفقون على الحوار الذي بدأ أولاً في الخرطوم وتبنته منظمة خاصة، وكان ممثل الحكومة في ذلك الحوار السيد غندور (مساعد الرئيس السوداني حالياً)، لذلك على الجبهة الثورية أن تدرس الدعوة للحوار، وإذا ردت إيجاباً، فهناك سؤال سيطرح عن الضمانات، وعليهم طلب الضمانات التي يريدونها، وأن يطلبوها من القوى السياسية التي تحاور أو من الحكومة أو من الرئيس، فهذا شأنهم». وماذا لو تمسكت الجبهة الثورية برفض الحوار؟ أجاب: «مهما يكن الموقف، فهناك أحزاب سياسية رفضت عرضاً قدمه الرئيس ولا بد من التحاور معها، لا يمكن تركهم». وهل لكم في حزب المؤتمر الشعبي اتصالات مستمرة مع الجبهة الثورية السودانية، خصوصاً أنكم متهمون بالوقوف وراء حركة العدل والمساواة التي تقاتل الحكومة في دارفور؟ أجاب: «هذا اتهام قديم وساذج لا دخل له بالموضوع، لكن، أنا على صلة بالجبهة الثورية، وأشرت إلى اجتماعات ثلاثة، وسأواصل اتصالاتي لأعرف آراءهم، لكن لا أتحدث نيابة عنهم». وأردف: «أرى أن المناخ يسير نحو انفراج، وأنا أطلب من الرئيس (البشير) في هذا المناخ ليس فقط إطلاق سراح المعتقلين السياسيين فحسب، بل أدعوه إلى إطلاق سراح الذين حوكموا، وأن تلغى العقوبات من الآن، وهناك أحكام إعدام ضد مالك عقار (رئيس الجبهة الثورية) وياسر عرمان (الأمين العام للحركة الشعبية – قطاع الشمال) وأحكام ضد 17 شخصاً آخرين، أريد من الرئيس أن يلغيها بكل جرأة، وأن يطلق سراح أي شخص معتقل، أو محكوم عليه بالإعدام في إطار العمل السياسي العام والمعارضة العامة في أي مكان في السودان، سواء رضوا بالحوار أو رفضوه». وسئل علي الحاج عن موعد عودته إلى السودان بعدما غادره منذ 14 عاماً، إلى ألمانيا بعد الاختلاف بين الرئيس البشير وحسن الترابي، وظل هناك ممثلاً الترابي وناشطاً باسم حزب المؤتمر الشعبي، فقال: «الأجواء مشجعة، ولا أتكلم عن عودتي أنا، الأجواء مشجعة للحوار، وهو أكبر وأعظم من مجيء شخص، و (حزب المؤتمر الشعبي) ممثل في الحوار بالقيادة (الترابي) التي تعمل (من أجل الحوار)». وتابع: «حزبنا الآن ليس هو حزب 1989 (تاريخ انقلاب الجبهة الإسلامية على نظام ديموقراطي منتخب في السودان) والأمين العالم لحزب المؤتمر الشعبي والحركة الإسلامية حسن الترابي ليس هو الترابي 1989». هل أجريتم مراجعات، وكيف تقنعون السودانيين بأنكم لن تنقلبوا مرة أخرى على الديموقراطية؟ أشار هنا إلى «مراجعات كثيرة جداً ونقد ذاتي، والبيان بالعمل، نحن انقلبنا و «شفنا» آثار الانقلاب، والآخرون انقلبوا و «شافوا»، ونحن لم نتعظ بما فعلوا وهم لم يتعظوا وبعضهم قد لا يتعظ، لكن الآن لا بد من حريات لكل الناس، وتنظم بقانون وللناس أجمعين، ولا بد من مشاركة كل الناس في ما يسمى بالسلطة، صغرت أم كبرت، صغر حجم الناس أم كبر، هذه قضايا لا بد من أن نتوافق عليها، ولا بد من أن تكون هناك آلية لاختيار من يحكم السودان، وآلية لتحديد كيف يحكم، هذه الآليات يجب أن توافق عليها، هذه المبادئ الأساسية هي أولويات لتصحيح الخطى كلها، وبهذا الفهم نحن (حزب الترابي) منفتحون على الجميع». هل يعني ذلك أن الفترة المقبلة ستشهد اختفاء شعارات نأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع، وشعارات وهمية أخرى لم تحقق شيئاً، قال: «الأولوية الآن ليست للشعارات وليست لوحدة الحركة الإسلامية (تيارات إسلامية انشطرت وتفرعت من حزب الترابي)، الأولوية هي كيف نحافظ على ما تبقى من السودان، وكيف نستطيع أن نأخذ معنا الجزء الجنوبي من السودان، أو ما انفصل من السودان وكيف تكون بيننا علاقة توأمة (بين دولتي السودان)». هل يعني كلامك أنكم تريدون أن تغضوا الطرف عما جرى من فساد وتدمير في الفترة الماضية ومن دون مساءلات، قال: «كلنا مسؤولون، ولا غض طرف عن أي شيء لكننا نتكلم عن أولويات، وكي تعالج الفساد وغيره تحتاج إلى قوانين، ونريد أن نتفق في الحوار على الأولويات كالحريات وإيقاف الحرب ومعالجة القضية الاقتصادية وكيف يحكم السودان والحكومة الانتقالية ومهماتها وفترتها، أما القضايا الأخرى كالفساد فستنظر». وهل تعتقد بأن الدول الكبرى كأميركا وأوروبا ستدعم الحوار بين السودانيين، قال: «أكيد، والسودانيون إذا تضامنوا وتماسكوا لا يستطيع أحد أن يؤثر فيهم، العدو الخارجي أين ما كان هو يدخل من ضعفك أنت، ليس هناك عدو قوي، ضعفك هو الذي يغري العدو. وأعتقد إذا تضامنت القوى السياسية السودانية ومعها الجنوبيون الذين خرجوا من السودان طوعاً واختياراً، فإن حال السودان ستكون أقوى وأفضل، لأننا شهدنا آثار الانقسامات بأم أعيننا». وشدد على «أنني أعتقد بأن أكبر أخطاء الحركة الشعبية (بقيادة الراحل جون قرنق) هو اتفاق نيفاشا (2005) فهي بدلاً من أن تصر على تغيير القانون قبل أن تدخل الحكومة، قالت إنها ستدخل الحكومة لتغير القانون ولم تستطع. أقول لا بد من أن يغير القانون، وهذا تقوم به القوى السياسية مجتمعة في المقام الأول، الرئيس اتخذ خطوة إيجابية بتجميد القوانين، لكن لا بد من تغيير القوانين المقيدة للحريات، ثم تأتي النقطة الثانية وهي تغيير الذين يقومون بتنفيذ القانون وهذه مرحلة أخرى». وماذا تقصد؟ أجاب: «لا بد من تغيير من كان يقوم بأمر القانون القديم بعد تغييره بالجديد لأنه يعتقد أن المسألة هي كما كانت سابقاً، هذا يحصل مع تغيير الحكومة (بعد الحوار). وإذا لم يغيروا القوانين فسيكون موقفنا مثل موقف «الحركة الشعبية»، هي «اتزنقت» (حوصرت ومورست عليها ضغوط)، وأنا أحذر من تلك الفجوة، والضامن الآن لتجميد القوانين هو الرئيس (البشير)، ولا سمح الله إذا مات من هو الضامن، هل سيضمن من يأتي بعده، لا، أنا أقول هذا الكلام بموضوعية ولمصلحة السودان وليس لمصلحة فرد، أقول غيروا القوانين، تغيرها القوى السياسية، هذه ليست مسؤولية الرئيس، وتلك المسائل تتزامن ولا تتسلسل، أي بعد إيجاد آلية الحوار تكون لجان، ثم يأتي الجميع إلى الطاولة المستديرة لنصل إلى القرارات وكيفية تنفيذها، وليصادق عليها الرئيس في شكل قانوني. هذا التصور الذي أراه».