قرأتُ كلمة الأستاذ داود الشريان في صحيفة «الحياة» يوم الثلثاء في 2011/3/8 رداً على مقالةٍ لي بصحيفة «الاتحاد» الإماراتية قبل شهرٍ ونصف، ناقشتُ فيها آراء بعض «الليبراليين» السعوديين في الأحداث اللبنانية الأخيرة التي رافقت عمليتي إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة الجديدة. (لقراءة كلمة الاستاذ الشريان اضغط هنا) قلتُ في المقالة السالفة الذكر إنّ المسلمين السنة والقوى المتحالفة ضمن 14 آذار، غضبوا لظروف وطرائق الإسقاط والتكليف، ومن حقهم ذلك، لأنهم فازوا في انتخاباتٍ وطنيةٍ عامةٍ مرتين، عامي 2005 و2009. ولذا ليس من حقّ «الليبراليين الديموقراطيين»، إذا كانوا كذلك بالفعل، أن يقتصر الأمر لديهم على التشهير بسعد الحريري وبقوى 14 آذار وبالسُّنة الطائفيين، سواء أحبّوا الحريري شخصياً وقوى 14 آذار أم كرِهوهم! وقد أجابني الأستاذ داود الشريان (وما كنتُ قد ذكرتُه في مقالتي) بالطريقة التي صارت معروفةً في الكلمة المنشورة في صحيفة «الحياة»، والتي أظهرتْ لي كم كنتُ مخطئاً في فهمه وفهم مَنْ يمثّل من «الليبراليين» وغير الليبراليين. - نعم يا أستاذ داود، نحن نعتبر المملكة العربية السعودية قيادةً للعرب والمسلمين، في الدين كما في العمل السياسي الإستراتيجي. ولأنها بهذه المنزلة والدور، فقد اهتمّت بالتصدي للانقسامات العربية، وبحفظ التضامُن والتوازُن، ومن قمة الكويت إلى قمة الدوحة إلى قمة سِرت، حيث تحدث وزير الخارجية السعودي عن «الفراغ الإستراتيجي» الذي يُعاني منه العرب، والذي تسبَّب في مُعاناةٍ طويلةٍ ومستمرة. ويأتي اهتمام المملكة والعاهل السعودي بلبنان من هذا الباب باعتباره بلداً عربياً يُعاني من انقساماتٍ واستقطاباتٍ ووصايات، ويحتاج إلى احتضان. وأنا أذكر ذلك كلَّه هنا، وما كان ذلك موضوع مقالتي التي ردَّ عليها الأستاذ داود، وإنما ذكرتُ «الليبراليين السعوديين» لأنّ ثلاثةً أو أربعةً منهم انفردوا من بين الصحافيين العرب جميعاً بما ذكرتُ من تشهير، وليس بمناسبة الإسقاط والتكليف فقط، وعلى مدى ثلاث سنوات. وهكذا، فإنّ الكاتب عندما يُدخلُ المملكة طرفاً في الردّ عليّ، ويعتبر ذلك مرةً تشويهاً ومرةً تدليساً، يكون الأمر غريباً جداً بالفعل، ويتجاوز الرأي السياسي والشخصي إلى القيمي. وهذه مسألة لا أريد الدخول فيها. - يعتبر كاتب الكلمة أنّ سعد الحريري «زجَّ الأمة في صراع الطوائف»، نعم والله هكذا قال! فإذا تأمَّلْنا المشهد العربيَّ، بل الإسلاميَّ من حولنا في السنوات الماضية، نكون على هذا القياس مسؤولين عما جرى بالعراق من صراعٍ مذهبي وسياسي، وما جرى ويجري باليمن، وما جرى ويجري من توتراتٍ بالبحرين، وصولاً إلى أفغانستان وباكستان. ولماذا نبتعد إلى هذا الحدّ؟ فقد بدأت أحداثُ هذه المرحلة في لبنان باغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي انقسمت على أثره الصفوف والأفئدة والعقول. فعلى هذا القياس أيضاً يكون سعد الحريري مسؤولاً عن مقتل والده، ونكون جميعاً مذنبين في «الطائفية المفزعة» لأننا ما قبلْنا بالاغتيال السياسي وبالتداعيات الأخرى، فتَرَدَّيْنا في مهاوي الطائفية والفتنة والفساد! لقد كتبتُ تلك المقالة في الأصل لهدفٍ محدَّدٍ ومنحصر اعتبرتُهُ صالحاً لأن يكون مقياساً، وهو حقُّ مجموعةٍ سياسية أو تيار سياسي في تشكيل الحكومة في لبنان، لأنه حصل على الغالبية في انتخابين عامَّيْن. وقد ذكرتُ وقتَها أنّ هذا هو المقياس في نظام برلماني مثل النظام اللبناني. لكنّ ردَّ السيد الشريان كشف عن خلافاتٍ أُخرى كثيرة بيننا، لقد كشف بالأََحرى عن طريقتين في الوعي بقضايا الأمة ومشكلاتها، وبالعلاقات بين الناس، وبما يتعدى السياسي إلى طريقة التعامل. ولذا، فإنني أختم ملاحظاتي هذه بأمرين: الأول، أنني ظننتُهُ عندما تصدى للردّ عليَّ من «الليبراليين» بالمملكة، بيد أنّ كلَّ ما ذكره ينتمي إلى اتجاهاتٍ أُخرى ما عرفتُها بالمملكة ولا بغير المملكة من قبل. والأمر الثاني، وهو الذي ذكرتُهُ في عنوان المقالة، أنني لا أطلب منه الاعتذار، لكن ليس للأسباب التي ذكرها، بل لأنني أخطأتُ عندما اعتبرتُ الخلافَ بيننا قابلاً للنقاش؛ ثم لأنّ الأستاذ الشريان يملك وعياً خاصاً جداً ما قدَرتُهُ حقَّ قدْره، وبذلك فقد ظلمتُه وظلمتُ نفسي!