تحت رعاية الملك.. وزير النقل يفتتح أعمال «المنتدى اللوجستي العالمي 2024»    وكلاء وزارات التجارة بدول الخليج يعقدون اجتماعهم التحضيري ال 59    رئيس الوزراء العراقي يدعو إلى حظر توريد السلاح إلى إسرائيل    المركز السعودي للفنون التشكيلية بجدة، يسهم في نجاح معارض الفن التشكيلي    الربط الكهربائي ل "الرياض": تمويل توسعة الربط مع عمان بنهاية العام الجاري ومشاريع الشبكة واستثماراتها تتجاوز مليارين دولار    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة آل حسن الدوسري    وصول أولى طلائع الجسر الجوي السعودي لمساعدة الشعب اللبناني    جمعية الصم وضعاف السمع تحتفي باليوم الدولي للغات الإشارة    "محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية" تختتم مشاركتها في معرض الصقور والصيد السعودي 2024    اختتام مسابقة أقرأ في إثراء ومغربية تحصد لقب قارئ العام للعالم العربي    خيرية المواساة بالقارة تعقد جمعية عمومية وعرض إنجازات الجمعية    "الصحة" و "الأمر بالمعروف" تناقشان توعية المرضى من السحرة والدجالين    نجاح عملية قلب مفتوح بتقنية الشق الصغير في مركز الأمير سلطان بالقصيم    رد إسرائيل على إيران.. بنك أهداف يشمل مواقع عسكرية ومنشآت طاقة    ارتفاع إنجاز عدد الجلسات القضائية في محاكم الاستئناف بديوان المظالم    من أعلام جازان.. الشيخ خالد بن أحمد بشير معافا    محمية الملك سلمان أول محمية سعودية تنضم للقائمة الخضراء الدولية    "الظافري" يستقبل مفوّض الإفتاء في جازان    "التعاون الإسلامي" تُدين قرار الاحتلال الإسرائيلي مصادرة مقر وكالة الأونروا بالقدس المحتلة    المربع الجديد يوقع عقد رعاية لموسم الرياض 2024    "مثقفون" يستعرضون مسيرة الراحل محمد الشدي .. غداً    أمطار رعدية مصحوبة بزخات من البرد ورياح مثيرة للأتربة في 4 مناطق    اختتام فعاليات النسخة الثانية من منتدى الأفلام السعودي    «PIF» يحدد متطلبات الإنفاق على المشاريع الخضراء ب 73 مليار ريال    الصندوق الثقافي يوقع اتفاقيات تسهيلات ائتمانية مع 13 شركة ضمن «التمويل الثقافي»    «الدفاع» تعزز التعاون في مجالات الإعلام بين القطاعات العسكرية والأمنية    القهوة والكافيين يحسنان صحة الشرايين    الألعاب السعودية .. العلا بطلاً لكرة قدم الصالات    الألعاب السعودية .. "الغيث" يحصل على الذهب في التزلج اللوحي    وزارة الداخلية تختتم مشاركتها في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2024    «رينج روفر».. تتسبب في حريق مطار لوتون وتدمير أكثر من 1,300 سيارة    أفراح الدامر والرشيد    عوامل مؤثرة تشتت الانتباه في العمل.. تجنبها    فيصل بن فرحان يبحث مع إسحاق دار وبوريل المستجدات الدولية    ميتروفيتش يصبح الهداف التاريخي لبطولة دوري الأمم الأوروبية    بقايا متسلق مُنذ 100 عام    المغرب يستعرض بخماسية في شباك أفريقيا الوسطى بتصفيات كأس الأمم 2025    ضمن تصفيات كأس العالم .. الأخضر يواصل استعداداته لمواجهة البحرين    الصين تستعيد شيجيان- 19    الذكاء الاصطناعي يستحل وظائف TikTok    ميزة iPhone تسرب بيانات المستخدمين    آلية التقديم في سفراء المكتبات    10 مناطق تغيبت عنها مرافق القلب والأورام    الذكاء العاطفي في البيئة التعليمية    القبيلة وتسديد المخالفات المرورية    «الداخلية» تختتم مشاركتها في معرض الصقور والصيد    البحرين أهم من اليابان    تفضيل الأطعمة الحارة يكشف لغز الألم والمتعة    لون البول مؤشر للإفراط في السوائل    محمية الملك سلمان الملكية تحتضن 290 نوعاً من الطيور بينها 26 مهدّداً بالانقراض    الشيخ البدير: التواضع من الأخلاق العليّة والشمائل السُنيّة    14.1 مليون زائر للمدينة المنورة عام 2023    الصندوق الثقافي يوقع اتفاقيات تسهيلات ائتمانية مع 13 شركة ضمن «التمويل الثقافي»    مدير عام الشؤون الإسلامية في جازان يلتقي بالمراقبين عبر التلجرام    خطاك السوء يا فخر الأوطان «سلمان»    الذكرى العاشرة لبيعة والدنا «سلمان»    محمية الوعول تنضمّ للقائمة الخضراء الدولية كأول محمية سعودية    قيادة حكيمة ورؤية طموحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضحكة الميدوزا
نشر في الحياة يوم 26 - 09 - 2017

ها هي المرأة تعود من جديد، تصل مرةً بعد أخرى، لأن عقلها الباطن هو الحصن الحصين. تضع يدها في يد أختها المرأة ويعبرن المدى في دوائر، بعد أن كنَّ محتجزات في غرفة ضيقة لغسل الدماغ المميت. يمكنك أن تسجنهن، يمكنك أن تُبطئهن، يمكنك أن تأسرهنَّ باسم العنصرية، لكن هذا لن يدوم طويلاً. ما إن يبدأن تعلم النطق، في اللحظة نفسها التي يبدأن فيها تهجّي أسمائهن، حتى يلقنوهنَّ أن عرقهن أسود: أنتِ من أفريقيا، إذن أنت سوداء. القارة التي أتيتِ منها سوداء. السواد مخيفُ وخطر. لا يمكنكِ أن تري شيئاً في السواد، ستكونين خائفة. لا تخطي أية خطوة، فقد تسقطين. وقبل ذلك كله، لا تذهبي إلى الغابة. وهكذا أورثونا الرعب من السواد.
لقد ارتكب الرجل أسوأ جريمة ضد المرأة؛ فبمكرٍ وعنف دفع الرجل المرأة لكي تكره المرأة، لكي تتخذ منها عدواً لها. دفعها لتحشد كل قواها العظيمة ضد النساء الأخريات وضد بعضهنَّ البعض، دفعها لتنفذ حاجاته كونه رجلاً. لقد صنع الرجل للمرأة عالماً من اللانرجسية، وهي النرجسية التي تدفع المرأة إلى حب نفسها فقط، لأنها تملك من الجمال المرغوب ما لا تملكه الأخريات. لقد اخترع الرجل بذلك منطقاً غير مسبوق للمرأة وهو: اللاحب!
نحنُ الناضجات قبل أوانهن، نحن إرث الثقافة المكظوم، أفواهنا الجميلة مكمَّمة بالطلع، رياحنا منزوعة منا، نحن المتاهات، نحن السلالم، نحن الحيز المداس، نحن السرب الأسود، نعم نحن سود وجميلات. نحن العاصفات، ولا نخشى إن تحررت أمواجنا منا أن نصاب بالوهن. نظراتنا وابتساماتنا منذورة للهباء، ضحكاتنا محلوبة من أفواهنا، دماؤنا تجري ونمدُّ أنفسنا من دون أن نصل إلى حد. لا نكبح جماح أفكارنا أبداً، ولا إشارتنا ولا كتاباتنا، ثم إننا لا نخشى الفقد.
ما الذي تعنيه السعادة لنا، نحن المحذوفات، المُنحَّيات جانباً في مشهد الإرث العظيم. نحنُ الملهمات لأنفسنا ونحن الميتات، الميتات اللواتي لم تنقطع أنفاسهن أبداً. نحنُ في كل مكان!
من الآن فصاعداً، من يجرؤ - إن افترضنا أن أحداً سيجرؤ - أن يقول لنا لا؟ لقد عدنا من الحتميّ الدائم.
لقد حان الوقت لتحرير المرأة الجديدة من المرأة القديمة، ولن يحدث ذلك إلا حين تبدأ المرأة بالتعرف إلى نفسها، بحب نفسها، لأنها استطاعت أن تدبّر أمرها، لأنها استطاعت أن تتجاوز المرأة القديمة من دون أن تلغي وجودها، بالخروج للبحث عن الطريقة التي يمكن بها أن تكون امرأة جديدة، كما تخرج السهام من القوس بحركة واحدة تجمع موجة وتفصل أخرى في تناغم، لتكون أكثر من مجرد نغمة، لتكون أكثر من نفسها.
أقول هذا لأنه لا توجد إلى الآن أية كتابة تنقش توقيعها على الأنوثة، باستثناء عدد محدود ونادر جداً. فبعد بحث مضنٍ في الأدب، عبر كل عصوره ولغاته وثقافاته، لن يملك أحدنا سوى أن يُصدم بما يجده بعد مهمة استكشافية لا جدوى منها. نعم، إن عدد الكاتبات قليل جداً في شكل يدعو إلى السخرية، على رغم التزايد الملحوظ في ظهور الكاتبات منذ القرن ال19 إلى اليوم. لأن هذا التزايد لا قيمة له، بل هو مضلل في حقيقة الأمر، إلا إذا استثنينا منه الغالبية العظمى من الكاتبات اللواتي يقلّدن كتابات الرجل، ويحجبن المرأة أو يصورنها بالصورة القديمة نفسها في الكلاسيكيات «حساسة، حالمة، وتعتمد على حدسها لا على المنطق...إلخ».
دعوني أضيف جملةً اعتراضيةً هنا. جملة أعنيها حين أتحدث عن كتابات الرجل. أجزم في شكل لا لبس فيه أن هناك بصمةً خاصة في كتاباتهم، وهي بصمة يسيطر عليها الاقتصاد الذي يقوم على سلطة ذكورية ثقافية وسياسية أيضاً تزيد في سطوتها وسيطرتها عما يمكن توقعه أو الاعتراف به، بصمة يكاد يغلب عليها اضطهاد المرأة إلى ما لانهاية في حيز كتاباتهم هذا بطريقة تزيد في شكل مفرط وبوعي أو لا وعي منهم، وبنسقٍ مخيفٍ جداً لأن هذه البصمة عادة تكون مخفية أو مزخرفة بجمال السرد المخادع. هذا الحيز لم يكتفِ بتصوير المرأة بأنها مختلفة عن الرجل فقط، بل ذهب بعيداً وأفرط في تصوير المرأة بأنها النقيض تماماً من الرجل، فكراً وجسداً، وهو الحيز نفسه الذي لا يحين فيها أبداً دور المرأة للحديث. الأخطر في هذا كله والشيء الذي لا يمكن الصفح عنه في تلك الكتابات هو ما يمكن أن نسميه على وجه الدقة إمكان التغيير شبه المؤكد، هذا الحيز الذي عمل كأنه منصة وثب للأفكار الضارة، بدل أن يكون حركة تمهيدية لتغيير البُنى الثقافية والاجتماعية.
كل تاريخ الكتابة مرتبطاً تقريباً بتاريخ المنطق، المنطق الذي يكون هو الداعم وهو الأثر في الوقت نفسه، وهو أيضاً الحجة الامتيازية. لم يتغير ذلك أبداً على امتداد التراث الذكوري. إنه الإعجاب بالذات، والحماسة للذات، ومباركة الذات في هذا التراث الذكوري كله.
هناك بعض الاستثناءات بالطبع، فلكل شيء قصور، وما كنتُ لأكتب أنا - المرأة الناجية - ضمن هذه الآلة الكبيرة التي ظلَّت تُصنّع وتنتج حقائقها قرناً بعد قرن. بعضُ الشعراء يستطيعون الذهاب بعيداً في خلق أشياء على نقيض التراث، مثل خلق شخصيات لرجالٍ يحبون الحب، يحبون الآخرين ويريدونهم، رجالاً قادرين على تخيّل امرأة قادرة على مجابهة الاضطهاد وقادرة على بناء نفسها امرأةً بديعة مساوية لهم، وفي الوقت نفسه عصية جداً حد الاستحالة على أن تطاولها الأيدي في إطار واقع الحياة الاجتماعية. امرأة كهذه سيرغب فيها الشاعر فقط حين يفك الرموز التي تتسبب في تعطيلها. وحتماً سيظل حضورها طاغياً، إن لم يكن حضوراً ثائراً، لأن من المفترض أن يظل المعقل ثابتاً، فهو حضورٌ بمثابة انفجارٍ مهيب.
ترجمة: سهام العريشي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.