الأحلام الوردية التي غالباً ما تُربط بصورة المرأة اللبنانية، عبر الإعلام المرئي وتحديداً الفضائيات، تخفي حقائق كثيرة تحتاج إلى رؤية واعية لاستكشاف أبعادها. فمتى ذُكرت عبارة «امرأة لبنانية»، على لسان أي شخص غير لبنانيّ برزت صورة نمطية قوامها الجمال والأناقة، وفي كثير من الأحيان الإغراء، فيما الواقع مختلف جداً. فاللبنانيات اللواتي يكرّسن جزءاً كبيراً من وقتهن، للظهور في أجمل حلّة خدمة لعملهن، لسنَ القاعدة في الحياة الحقيقية. ذلك لا يعني أنّ المرأة اللبنانية لا تهتم بمظهرها، إنما العكس تماماً فهي حريصة على طلّتها حتّى في أسوأ الظروف، لكن التعميم يُسقط قضايا كبيرة تناضل من أجلها اللبنانيات يومياً، ويدفعن من أرواحهن وأجسادهن للاستمرار وسط الحال المضطربة في لبنان. في مئوية اليوم العالمي لحقوق المرأة، يبدو إظهار نظرة مغايرة لواقع المرأة اللبنانية خطوة ضرورية، بما أنّ لبنان كان دوماً مساحة للنضال النسائي الحقيقي. فمن منّا لا يتذكر المدافعة عن حقوق المرأة لور مغيزل أو لا ينحني أمام إنجازات ليندا مطر التي تتمسك بصوتها الصادح حتى الرمق الأخير؟ وعلى رغم كلّ الاضطرابات السياسية والأمنية والاقتصادية في لبنان، فهناك نساء ما زلن يسلكن طريق النضال، ليس من خلال الحفلات واللقاءات الاجتماعية، إنما من خلال قول «لا» في وجه الظلم. قضايا كثيرة عانت منها المرأة اللبنانية خلال السنوات القليلة الماضية، وهي تفرض نفسها على الملفات الأخرى في البلاد، وقد كان للإعلام الدور الأبرز في جعلها قضية ملّحة لا تحتمل التأجيل. إلا أنّ حال المراوحة بسطت نفسها على هذه الملفات كما غيرها لتحوّلها إلى الأدراج المغلقة. لكن تأجيل هذه القضايا لا يعني أنّه سيتمّ التغطية عليها إنما ستبقى دليلاً على أنّ اللبنانية ما زالت في بلدها مواطنة من الدرجة الثانية. الندوة الأخيرة التي عُقدت في المركز الثقافي الفرنسي في بيروت، تحت عنوان «المرأة والقانون في لبنان» في حضور القاضي جون قزي، أثبتت الوقائع التي تجعل من اللبنانية أسيرة للقوانين المجحفة على رغم كلّ محاولاتها لتجاري طموحاتها العصرية التي تتخطى المنطلقات الذكورية والانتماءات الطائفية كلّها. فالرباط الأول الذي يخنق اللبنانية هو قوانين الأحوال الشخصية وتحديداً في ما يتعلّق برفع سن الزواج إلى 18 عاماً وتوحيده بين الطوائف، وموضوع النفقة الزوجية في حال الطلاق وصولاً إلى قضية الإرث القديمة - الجديدة. أما الحدث الأبرز الذي طبع الساحة اللبنانية خلال الفترة الأخيرة فهو إعطاء الأم الجنسية لأولادها، هذا الملف الذي ما إن فُتح حتى استيقظت المحاصصات الطائفية ونخرته في العمق. وإذا كان كلّ ذلك لا يُمثّل واقع المرأة اللبنانية، يكفي القول إن بالمعنى العام للعنف الجسدي والنفسي، فثلث اللبنانيات معنفات بحسب الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف، هذا من دون ذكر حالات التحرش الجنسي التي يتم التغطية عليها حفاظاً على ماء الوجه. أمام هذا الواقع يطرح تساؤل رئيسي: كيف يمكن المرأة اللبنانية أن تكافح لتغيير القوانين المجحفة بحقها وصولاً إلى التغيير في تفاصيل حياتها اليومية؟ المشاركة السياسية تبدو الوسيلة الأكثر فعالية، إلا أن حتى في هذا المجال تعاني اللبنانية الأمرّين إذا أرادت خوض المعارك النيابية والبلدية. ففي انتخابات 2009 تراجع عدد النائبات بنسبة 35 في المئة عن برلمان عام 2005 وانحسر عدد النائبات إلى أربع فقط. كذلك في الانتخابات البلدية حيث كانت نسبة تمثيل النساء متدنية ترشيحاً وفوزاً ولم تلامس ال 5 في المئة، بسبب عرقلة مبدأ «الكوتا» النسائية لاعتبارات غالباً ما ترتبط بمحاولة الحفاظ على الطابع الذكوري للمجالس السياسية. لا تكفي الندوات والمحاضرات وإطلاق الشعارات لتعزيز موقع المرأة في المجتمع اللبناني، فالأزمة أكبر من أن تختم بكلمة أو خطاب. إنها قضية كل لبنانية يحاصرها الظّلم في كل دقيقة من حياتها، ولا حلّ أمامها إلا النّضال!.