الخبر بحد ذاته كان عادياً، وكان يمكن أن يمر مرور الكرام وسط أخبار «الثورة» العاصفة التي تجتاح ليبيا، ولكن إصرار الإعلام المرئي على تناقله والحديث عنه واستضافة من ارتبطت أسماؤهم ب «فضيحة» تعذيب الخادمة الفيليبينية ليا في بيت النجم السوري سامر المصري، المعروف ب «العقيد أبو شهاب»، جعل منه خبراً يحتل نشرات الأخبار. ليس في وارد هذه الكلمات أن تؤكد قيام زوجة الفنان المصري بتعذيب الخادمة المسكينة أو تنفيها، فهذا من اختصاص القضاء والطب الشرعي، وبخاصة أن القضية برمتها أصبحت قضية رأي عام، بعد بث شريط مصوَّر للخادمة على صفحات التواصل الاجتماعي (فايسبوك) يُظهِرها مصابةً بجروح وكدمات في الوجه. العقيد أبو شهاب (وهذا هو الاسم الذي بات ملتصقاً بالنجم السوري منذ نجاحه في مسلسل «باب الحارة»، ما يدعو – ولو تفكُّهاً - الى التقريب بينه وبين العقيد القذافي، مع حفظ الفوارق بين الاثنين لمصلحة الفنان المحبوب طبعاً)، أصر في اتصال هاتفي مع «العربية» أن الخادمة هي من تسببت لنفسها بهذه الجروح الغائرة في الوجه والجسد، بعدما سرقت من البيت مصاغاً ذهبياً، ونفى أن تكون زوجته هي مَن تسبَّبَ لها بها، كما جاء في تقرير المذيع... وليس ثمة، ما يكذِّب دفاع المصري عن نفسه. قد لا ينفع الآن البحث في الخلفيات التي أدت بالخادمة الفيليبينية إلى هذا المآل المحزن، ولكن ظهورها مصوَّرةً وقد ربط الرعب لسانها يكفي لأن يجعل منها ضحيةً مناسِبة لإثارة قضية حقوق الخادمات الآسيويات المسكوت عنها في بلدان عربية كثيرة. حتى وإن صدق المصري في كلامه، فالرواية وإن شابها تعثر، تؤكد حجم المعاناة التي لقيتها هذه الخادمة التي «وقعت من ارتفاع 15 متراً»، بحسب «العقيد» المصري، والتي مضى على وجودها ثلاث سنوات في بيت النجم وتبقّى أمامها شهر لإنهاء فترة خدمتها، قبل أن يفقد النجم السوري وزوجته بعض المصاغ الذهبي، وسؤالهما إياها عنه قبل وقوعها بمدة قصيرة من نافذة زجاجية. إن أسوأ ما في امر هذه الحكاية ان كثراً يميلون الى ربطها – ظلماً - بذهنية في التفكير يرون انها لا تبتعد كثيراً عن تفكير العقيد – الليبي هذه المرة - الذي نفى في اليوم ذاته مسؤوليته عن ضحايا الصدامات اليومية المستمرة في ليبيا منذ أكثر من أسبوعين، وهو إذ طالب بلجان لتقصِّي الحقائق لمعرفة من قتل من، فإنه لم يتورع عن الحديث عن حبوب هلوسة تستخدمها الخلايا الارهابية النائمة في بلاده، فالعقيد القذافي يحمّل القاعدة مسؤولية «الثورة الليبية» عليه، ويصر على أن نظامه لم يكن مسؤولاً عن التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي في «جماهيرية محسودة من العرب على خيراتها». ونفى خروج أي مظاهرات معادية له، «فالمؤامرة واضحة، وتهدف إلى احتلال منابع النفط الليبي». لا نعرف من يستخدم حبوب الهلوسة، وهذا ليس من شأن هذه الكلمات، فلجان تقصي الحقائق – بحسب العقيد - يمكن لها أن تسأل الضحايا عن أماكن قتلهم، ولماذا قتلوا؟ تبدو الفكرة غير طارئة، فأعاجيب العقيد القذافي أكثر من أن تحصى، وهو إذ ينفي وجود قتل وتعذيب لا يكفُّ عن مهاجمة الموتى في قبورهم مطالباً إياهم عبر الفضائيات بتوضيح الأسباب التي أودت بهم إلى هذا المآل الكارثي.