آن الأوان للمحذرين من ثورة الإنترنت وتقنيات الشبكة العنكبوتية على الأجيال الصغيرة لكي يغيروا من معزوفة «احذر» و «راقب» و «امنع». ويبدو أن الوقت قد حان لعمل توزيع جديد لتلك المقطوعة المنعية الرقابية التحذيرية بعد ما ثبت بالحجة والبرهان أن الإنترنت ليس كله شرور، وأن أدواته ليست كلها موبقات. فمنذ أحكمت الشبكة العنكبوتية خيوطها على الأجيال الصغيرة والشابة في مصر في السنوات القليلة الماضية ووصول عدد مستخدمي الإنترنت حتى آب (أغسطس) الماضي إلى ما يزيد على 22 مليوناً (وفق إحصاءات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات) تعالت أصوات خبراء التربية والاجتماع وعلم النفس للتحذير من سلبيات هذه الشبكة على الصغار، وكيف أن كل بيت فيه جهاز كمبيوتر متصل بالإنترنت هو بمثابة لغم مهدد بالانفجار، وهو باب «جهنم حقيقي» إن لم يتم التحكم فيه، فسيحرق الجميع بلهيبه! لكن ثورة مصر التي تفجّرت من رحم الإنترنت وأدواته الاجتماعية، ستجبر هؤلاء العازفين على أوتار المنع والرقابة، على الحد من التلويح ب «فزّاعة» الإنترنت القادرة على إفساد الأجيال. ويقول الباحث في الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة، رمزي سليم: «بعد اندلاع ثورة مصر المرتكزة على أسس الاتصال الحديثة ونجاحها بهذا الشكل وتحولها من مجرد ثورة شباب ال «فايسبوك» و «تويتر» إلى ثورة كل المصريين، ينبغي علينا أن نعيد النظر في مفهومنا للشبكة العنكبويتة وأدواتها الاجتماعية المختلفة. والمقصود ليس فتح أبواب الشبكة بالطبع، ولكن تغيير طريقة تعاملنا ونظرتنا لهذه الشبكة وما تتيحه. وإذا غيرنا من نظرتنا، فسيكون في إمكاننا التعامل في شكل أفضل مع الناشئة في ما يختص بالنواحي العنكبوتية». الدعوة إلى إعادة النظر في أسلوب تناول الأهل في المنطقة العربية ما تحمله الإنترنت ربما من شرور للصغار، لا تعني التقليل من شأن هذه الشرور، لكن المطلوب وضعها في حجمها الحقيقي والتعامل معها من هذا المنطلق. فمثلاً هناك اتجاه قوي بين الأهل في دول متقدمة عدة لاستخدام «سوفت وير» تجسسي يتيح لهم الاطلاع على حسابات أبنائهم على ال «فايسبوك». وعلى رغم الجدال الذي يثيره هذا الاتجاه بين مؤيد لضرورة الاطلاع على مجريات حياة الأبناء على الشبكة العنكبوتية، ومعارض لهذا الانتهاك الصريح للخصوصية وما قد يؤدي إليه ذلك من لجوء الأبناء إلى الكذب، ما يعنينا أن الخوف من الإنترنت وأدواتها ليس مرتبطاً فقط بالمنطقة العربية. المطلوب بالتأكيد في الفترة المقبلة هو ترجمة ما قاله عالم الفيزياء المصري الحائز على جائزة نوبل الدكتور أحمد زويل في كتابه «عصر العلم»: «توفير أجهزة كمبيوتر لا يعني بالضرورة توفير معرفة خلاقة، ولكن الأهم هو توفير نظام تعليم كفء، وخلق العقلية النقدية القادرة على الفرز والاختيار، ثم الاستيعاب والابتكار». وكم عزفت منظومة النظام السابق في مصر معزوفة دخول أطفال مصر عصر تكنولوجيا المعلومات من خلال فرض منهج «كومبيوتر» جديد على السنوات الدراسية المختلفة، وتزويد عدد كبير من المدارس بالأجهزة. غير أن المعزوفة وقفت عند حدود الأجهزة وتدريس طريقة عمل ال «كي بورد» وسبل تشغيل برامج «وورد» و «باور بوينت» وغيرها. لكن أحداً لم يشجع البحث والمعرفة والاطلاع على الآراء ووجهات النظر المخلتفة، ربما خوفاً من أن يفتح الاختلاف الباب أمام التفكير النقدي الذي حتماً سيدعو الصغار إلى التفكير والمعرفة، ومن ثم تكوين الآراء والاتجاهات التي لن تتفق بالضرورة مع ما يراه النظام مناسباً. الخوف من التفكير النقدي هو الذي يدفع إلى الخوف من الإنترنت وأدواته! فالإنترنت وأدواته تتيح للمستخدم أن يبحث بنفسه، ويفكر لنفسه، ويكوّن الآراء التي تعبر عن نفسه، وجميعها مفاهيم تحوم حولها الشبهات والمخاوف التربوية في ثقافة العرب.