ينظر القضاة في المحاكم السعودية في قضايا يختلف أصحابها، مثلما تختلف هي الأخرى، كما هو معتاد في كل أنحاء العالم. إلا أن الظروف الاجتماعية التي تحيط بالمرأة في منطقة الخليج بكثير من التقدير والاحترام أحياناً. ونظرة الشفقة أحياناً أخرى، تجعل الكثيرين يتساءلون عن نظرة القضاة في السعودية إلى القضايا المرفوعة من جانب نساء؟ ويتجاوز النقاش جزئيات الموقف القضائي إلى استقصاء حقيقة ما يتردد بأن أكثر القضايا التي تكون المرأة أحد طرفيها، هي فيها مظلومة. وقالت عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتورة سهيلة زين العابدين ل «الحياة»: «بعد اطلاعي على بعض القضايا وجدت ان القاضي يتهم المحامي بعلاقة مع موكلته، ما يضطره إلى التخلي عن القضية»، وتساءلت: لماذا لا يسمحون للنساء المحاميات بالدفاع عن المرأة. وأكدت أنها اطلعت على صكوك صادرة من المحاكم ووجدت أن بعض القضاة ينفردون بأقوال الرجل دون المرأة. وضربت مثالاً على ذلك بقضية «لعان فاطمة» التي قدمت والدتها بلاغات في مراكز الشرطة لإثبات طلاقها، وبعد مراجعة القضية تم إخبارها بأن قضيتها حُولت إلى المحكمة وحولت القضية إلى مصلحة طليقها، وأصبح هو المشتكي، مشددة على أن لا لعان للمرأة المطلقة. ولفتت سهيلة زين العابدين إلى أن السبب المعلن لعدم تولي المرأة القضاء هو عاطفتها، بينما لو رجعنا إلى بعض القضاة لوجدنا أنهم عاطفيون بوقوفهم إلى جانب الرجال، وبالتالي هؤلاء لا يحكّمون عقولهم، إذ ان الرجل ابن بيئته ومتأثر بثقافة مجتمعه من العادات والتقاليد والقبلية، ولا يتخلص منها داخل المحكمة، لذلك ذكر الحديث الشريف أن قاضياً بالجنة وقاضيين بالنار. وتطرقت إلى أهمية التعديلات الجديدة التي أصدرتها هيئة الخبراء بأن على القاضي التنحي عن القضية إذا كان أحد الخصوم من أفراد أسرته أو أقرباء زوجته. واعتبرت أن المرأة العربية عموماً والمسلمة خصوصاً ليست لديها حقوق في مجتمعنا داخل العمل والمنزل والمحكمة والعمل التجاري والشارع، «لذلك توجد لدينا نقطة خلل». وقالت ان المرأة هضم حقها مقارنة بالرجل ولا تستطيع أن تثبت حقها، فلو نظرنا إلى التعليم وفرصة حصول المرأة على الترقيات الإدارية لوجدناها ليست بآلية حصول الرجل عليها نفسها، وكذلك راتب التقاعد إذ يحق للرجل أن يورث أبناءه، بينما المرأة لا تستطيع، وكذلك الجنسية، فالرجل غير السعودي بعد حصوله على الجنسية يستطيع أن يمنح أبناءه جنسيته، بينما المرأة سعودية الأصل لا تستطيع، كما أن المرأة تحرم من حضانة الأبناء عند وصولهم الى سن معينة، بينما المرأة مطالبة عندما تكون زوجة بتقديم الاهتمام بهم وتربيتهم وعندما تنفصل يُسحب منها أبناؤها ولا يحق لها أن تمارس أمومتها. وأكدت أن المرأة ليست لها فرصة الدفاع عن نفسها داخل المحكمة حتى وان وكلت محامياً لأخذ حقوقها. لكنها نفت أن تكون تعني التعميم «فالقضاة ورجال المجتمع منهم منصفون وموضوعيون يقفون مع الحق، أما البعض الآخر فينظر للمرأة نظرة دونية ولا يصدقون ما تقول». نظرة سلبية للنساء المترافعات من جهته يرى الباحث الاجتماعي عبدالكريم السويدي أن النساء أقل دقة في ذكر الحقائق من الرجال، كما أن نسبة الظلم في زعمه بينهن أكثر، مشيراً إلى أن نظرة القضاة إلى القضايا التي أحد أطرافها نساء بحسب اختلاف أطياف التعقل لدى القاضي، ومدى تمتعه بالحس القضائي والعدل التشريعي، فعندما يكون أحد أطراف القضايا امرأة ينظر بعض القضاة للمرأة على أنها ربما لا تقول الصدق، تماشياً مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (النساء يكفرن العشير)، إن كان الخصم زوجها أو قريباً لها، وربما ينظر للمرأة على أنها لا ترتكز على رأي واحد، فاليوم تشتكي وغداً تستثار عاطفتها وتتنازل عن خصمها، فليس لديها إلا إشغال القضاة والمحاكم، وهذا الأمر غير مقبول، فعلى القضاة أن ينظروا لكل أطراف القضايا بحيادية مطلقة. ونوّه إلى أنه من غير إقحام جنس عن آخر بالطبع يكاد ظلم النساء من العيب الاجتماعي الذي يتحاشاه الرجل، وليس كل رجل يتنازل عن مقاضاة امرأة حتى وإن كان الحق من نصيبها، خشية من إلصاق وصم بأنه يتقوى ويفرد العضلات على المرأة الضعيفة. أما من جهة الاختصاصية الاجتماعية أسماء محمد، فقالت: «لا يمكن بأية حال من الأحوال فصل القاضي الرجل عن منظومة المجتمع الذي يحيط به، الذي تربى وسطه وشرب عاداته وتقاليده وأعرافه، حتى أصبحت هذه الأعراف تأخذ طابعاً أقوى من أحكام الشريعة على المرأة». مشيرة إلى أن المجتمع السعودي ذكوري تماماً في التربية والتلقين، إذ نجد أن الجاهلية ما زالت تعشش في عقول حتى من تبوأ مكاناً لإقامة العدل، وإلا فما معنى شكاوى نساء تقدمن بالادعاء ضد من أوقع عليهن الظلم، سواء من أسرتها أو زوجها، وضرورة اشتراط وجود محرم معها في هذه الأمور، من دون أن توجد استثناءات في هذه القضايا، لخصوصية المرأة واختيارها ان تكون هذه الأمور خاصة بها، من دون اطلاع الآخرين عليها. وأضافت أن قنوات وصول المرأة إلى القضاء محفوفة دائماً بالكثير من إشكالات التمييز، فالمرأة التي تطلب الطلاق مثلاً لأسباب تجدها هي موضوعية ومنطقية، ونجد أن الأمر يأخذ من عمرها، سنوات طويلة تنتهي في الغالب بأن تتحوّل إلى قضية «خلع»، تدفع المرأة فيها مالاً من أجل الحصول على حريتها، وفي هذا تجن واستغلال وابتزاز للمرأة، وتحت نظر القاضي وكأنما يقال لها، إما أن تصبري على قضاء الله، أو أن تدفعي. ووصفت المحمد القول بأن المرأة تحاول أحياناً استخدام أسلحتها الأنوثية في التأثير على العدالة بأنه «منطق غريب جداً في الطرح، ما يوقع مجتمعنا في حرج بالغ الأثر، فكيف ندعي أننا خير من يستوصي بالنساء خيراً، ونحن في الأساس لم نجد لها البيئة المناسبة لحياة أفضل؟ ولماذا تضطر المرأة إلى استخدام أسلحة معينة؟ أليس مفترضاً أن القضاء هو الجهة العليا التي أنشئت لحفظ الحقوق؟ وحين نسمع مثل هذا الادعاء فكيف من الممكن أن نثق بالقاضي أو القضاة، طالما ينتظرون أسلحة المرأة، خصوصا أن هذا الجهاز ينبغي أن يكون محصناً من أي تأثيرات خارجية؟ فكيف تهتز ثقتنا به بهذا الشكل».