احتدمت المواجهات في ليبيا أمس بين محتجين يطالبون بسقوط نظام العقيد معمر القذافي وقوات الأمن، في ظل تقارير عن سقوط ما لا يقل عن 84 قتيلاً معظمهم في مدينة بنغازي، عاصمة الشرق الليبي. وفي حين استمرت السلطات الليبية في التزام الصمت إزاء ما يحصل في البلاد، خلت الساحة لفصائل المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان التي نشرت تفاصيل عن المواجهات وحصيلة الضحايا، من دون أن يمكن التأكد منها من مصادر مستقلة. وأوردت مواقع ليبية على شبكة الإنترنت صور فيديو تُظهر جنوداً يستسلمون للمحتجين في شرق البلاد، كما روّجت لمعلومات عن انضمام قوات من الشرطة إلى معارضي القذافي بحجة أنه استخدم «مرتزقة أجانب» من أفريقيا السوداء لقمع الاحتجاجات. وكان من المتعذر تأكيد هذه المزاعم التي انتشرت في شكل واسع على مواقع المعارضة. ونقلت صحيفة «قورينا» المقربة من سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي، عن مصادر طبية أن مدينة بنغازي وحدها شهدت سقوط 24 ضحية في مواجهات يوم الجمعة. وأوضحت على موقعها الإلكتروني أن «الحصيلة المتوافرة عند مستشفى الجلاء في بنغازي 18 حالة ولدى المركز الطبي في بنغازي 6 حالات قتلوا بالرصاص الحي». وكان مصدر طبي أكد ل «فرانس برس» السبت وصول 18 جثة إلى مستشفى الجلاء في بنغازي على بعد ألف كلم شرق طرابلس لأشخاص قتلوا خلال تظاهرات معارضة للنظام الجمعة. وكتبت «قورينا»: «سقط هؤلاء أمس (الجمعة) خلال مشاركتهم في تشييع 12 (شخصاً) سقطوا أمس الأول الخميس أثناء محاولتهم مهاجمة ثكنة عسكرية داخل مدينة بنغازي ومديرية أمن بنغازي. والمكانان يحتويان على مخازن أسلحة وذخائر». وأضافت أن «الحرس، وفق مصادر أمنية، اضطر إلى استخدام الرصاص في مواجهة المحتجين للحيلولة دون وصولهم إلى تلك المخازن». وقالت الصحيفة إن المحتجين اضرموا النار في كل مراكز شرطة بنغازي ولكن لم يسقط ضحايا. وتفيد حصيلة أعدتها «فرانس برس» استناداً إلى مصادر ليبية مختلفة أن عدد القتلى ارتفع إلى 65 منذ انطلاق التظاهرات المعادية للنظام الليبي الثلثاء. وذكرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن 84 شخصاً قُتلوا خلال هذه التظاهرات بينهم 35 الجمعة في بنغازي، و49 الخميس (20 في بنغازي و23 في البيضاء و3 في أجدابيا و3 في درنة). وأكدت هيومن رايتس ووتش استناداً إلى مصادر طبية وشهود أن معظم قتلى الجمعة أصيبوا بالرصاص الحي الذي أطلقته قوات الأمن. وقال مسؤول في مستشفى الجلاء ل «هيومن رايتس ووتش» انه تم استدعاء كل أطباء المدينة وتمت دعوة السكان للتبرع بالدم. وقال أحد سكان بنغازي، ثاني كبرى المدن الليبية، إن قوات الأمن أطلقت النار في الهواء أمس السبت لتفريق حشد كان يشيع محتجين قتلوا في أسوأ اضطرابات على مدار أربعة عقود من حكم الزعيم الليبي معمر القذافي. وقال أحد سكان بنغازي ل «رويترز» إن مواجهات وقعت بين تجمهر كبير وقوات الأمن بعد تشييع بعض الذين قتلوا في تطابق مع نمط العنف في الأيام السابقة في المدينة. وقال الرجل الذي لم يرغب في كشف هويته إن المشيعين «حاولوا مهاجمة قوات الأمن ولكنهم هربوا بعدما سمعوا أعيرة تُطلق في الهواء». وقال عبد الله الورفلي رجل الدين البارز في بنغازي لتلفزيون «الجزيرة» إنه لديه قائمة تشمل 16 شخصاً دفنوا السبت ومعظمهم أصيب بطلقات في الرأس والصدر. وأضاف أنه شاهد بنفسه دبابة تسحق شخصين في سيارة لم يلحقا أذى بأي شخص. وصرّح أحد سكان بنغازي يقطن قرب وسط المدينة اتصلت به «رويترز» بأن دوي طلقات الرصاص كان يسمع الليلة قبل الماضية وأن المحتجين هاجموا محطة الإذاعة التابعة للدولة القريبة من منزله وألحقوا بها أضراراً. وتابع «سمعت دوي إطلاق رصاص حتى منتصف الليل. هوجمت محطة الإذاعة ... لا نعلم ماذا سنفعل». وأضاف أن معظم السكان يلزمون منازلهم ويخشون الخروج منها. وقال الشاهد إن قوات الأمن في الشوارع ترتدي قبعات صفراء على خلاف الزي المعتاد للشرطة أو الجيش الليبي. وأضاف: «ليسوا ليبيين». وقال مصدر أمني إن الاشتباكات لا تزال جارية في المنطقة بين بنغازي ومدينة البيضاء التي تبعد نحو 200 كيلومتر شرق بنغازي. وصرح المصدر إلى «رويترز»: «الوضع في المنطقة الشرقية من البيضاء إلى بنغازي تحت السيطرة بنسبة 80 في المئة .. اضرمت النار في عدد من مراكز الشرطة أو أتلفت». ومضى قائلاً: «أرجوكم لا تصدقوا ما تذكره الإذاعات ومحطات التلفزيون الأجنبية. معلوماتها ليست دقيقة». وبعيداً عن المنطقة الشرقية تبدو البلاد هادئة. وقال مراسل ل «رويترز» إن مئات عدة تجمعوا حاملين صوراً للقذافي ورددوا هتافات مؤيدة لزعيم الثورة في الميدان الأخضر في وسط طرابلس وبجوار البلدة القديمة المحاطة بسور. وقال نعمان بن عثمان وهو معارض إسلامي سابق ل «رويترز» إن الحكومة تجري محادثات مع زعماء قبليين في بنغازي في محاولة لتهدئة التوترات. ولكنه قال إنه إذا قررت السلطات إعادة النظام بالقوة فإن ذلك سيحدث بقسوة. ومنع صحافيون أجانب من دخول ليبيا منذ بدء الاضطرابات وحظر على صحافيين محليين السفر إلى بنغازي. وتكرر انقطاع الخدمة عن خطوط الهاتف المحمول في المدن الواقعة بشرق البلاد. ونشرت صحيفة «الزحف الأخضر» التابعة للدولة مقالاً يبعث برسالة تحد لمعارضي النظام أفادت بأن الشعب أكثر إصراراً على مواجهة التحديات وكل المؤامرات التي تحيكها أميركا والصهيونية وخونة الغرب. ونقلت صحيفة قورينا عن مصادر لم تذكر اسمها أن مؤتمر الشعب العام أو البرلمان سيقر «تغييراً كبيراً» في سياسة الحكومة بما في ذلك تعيين أشخاص جدد في مناصب رفيعة. وأعلن مصدر موثوق به أن النائب العام في ليبيا المستشار عبدالرحمن العبار أمر بفتح تحقيق في أعمال العنف التي وقعت خلال التظاهرات المعادية للنظام خصوصاً في شرق البلاد. وفي لندن، دان وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ السبت قمع المتظاهرين في ليبيا ووصفه بأنه «غير مقبول ومروّع»، داعياً السلطات هناك إلى لجم الجيش. وأكد أن لندن «تشعر بقلق بالغ» في شأن مستوى العنف المستخدم ضد المتظاهرين في اليمن والبحرين وأعرب عن قلقه في شكل خاص في شأن التقارير عن مضايقة الصحافيين في البحرين.