استحوذت التظاهرات في المدن العراقية امس على اهتمام الطبقة السياسية في البلاد بعدما تجددت في الكوت، مركز محافظة واسط، بعد يوم على إحراق مجلس المحافظة فيها، وقتل عراقيين وجرح أكثر من ثلاثين خلال مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين في السليمانية. وفيما قرر البرلمان تخصيص جلسته السبت لمناقشة التظاهرات الشعبية، حذر رئيس الوزراء نوري المالكي من استغلال محاولة جهات لم يسمها، «استغلال المطالب العادلة للناس وتوجيهها لتخريب العملية السياسية». وعقد المالكي أمس مؤتمراً صحافياً خصصه للحديث عن موجة التظاهرات التي تصاعدت خلال اليومين الماضيين، وطالب القوى السياسية التي أرادت المشاركة في البرلمان والحكومة بتحمل المسؤولية. وحذر المتظاهرين من «اندساس مثيري الشغب بينهم». وقال إن «الشعب العراقي يطالب بإصلاحات وقد قطعنا شوطاً كبيراً في هذا الخصوص لكن نحتاج إلى الوقت، وفي ما يخص قطاع الكهرباء الذي يؤرق العراقيين منذ سنوات أقول الآن إنها أصبحت في وضع المنتهي وسيتم حسمها خلال 12 شهراً. أما مشكلة البطاقة التموينية فقد أشرفت شخصياً على عملية شراء المواد الغذائية بالإضافة إلى تعويض كل مواطن مبالغ مالية عن كل شهر انقطعت خلاله عملية توزيع المواد الغذائية (...) وقرر مجلس الوزراء أن تشرف مجالس المحافظات على عملية التوزيع واستيراد مواد البطاقة التموينية». وعن التظاهرات قال المالكي إن «مطالب المتظاهرين مشروعة لكن على المواطن أن يعرف أن بعض القضايا ليست من مسؤولية الحكومة مثل إقالة المجلس البلدي لمدينة عراقية أو إقالة المحافظين». وزاد: «أناشد العراقيين أن يصبروا هذه السنة فقط بسبب الأزمة المالية التي تعانيها الحكومة». وأوضح أن «التظاهرات محمية ونمنع رجال الأمن من التعرض لها ويمكن تفريقها إذا تحولت إلى أعمال شغب لوقف التخريب وليس لوقف التظاهر». وأضاف «بصراحة أقول إن الإجازات مفتوحة والحماية مفتوحة لكل التظاهرات لكن لا نسمح بتظاهرات غير مجازة ونحذر من قيام مثيري الشغب باختراقها». وتواصلت امس التظاهرات في مدينة الكوت وتجمع العشرات من أهالي المحافظة أمام مبنى مجلس المحافظة مطالبين بإقالة الحكومة المحلية وتنفيذ مطالبهم التي تقدموا بها، اول من امس، كما طالبوا بمعالجة الخدمات والقضاء على الفساد الإداري ومحاسبة المفسدين وتوفير فرص عمل وتحسين الخدمات. ونصب المتظاهرون خيماً داخل مبنى مجلس المحافظة الذي اقتحموه اول من امس وحطموا الباب الرئيس الخارجي للمبنى وأضرموا النيران في المكان، ثم احرقوا منزل المحافظ، فيما ردت الشرطة المحلية بإطلاق النار على المتظاهرين ما أسفر عن مقتل اثنين وجرح 50 منهم. وقال جميل القريشي احد المنظمين للتظاهرة ل»الحياة» إن «المتظاهرين مصرون على إقالة المحافظ ومحاسبة المفسدين»، وأضاف أن «عدد المتظاهرين يزيد على 500 شخص يحملون لافتات خطت عليها عبارات تندد بإبقاء المحافظ في منصبه «. وأشار إلى أن «المتظاهرين سلموا أعضاء المجلس بياناً بمطالبهم التي ركزت على إقالة المحافظة ومحاسبة المفسدين». وفي ذي قار (490 كم جنوب بغداد) قال مدير الشرطة اللواء الركن صباح الفتلاوي ل «الحياة» انه «تقرر فرض حظر شامل للتجول في مدينة النصر للسيطرة على الوضع الأمني فيها ومنع أي استغلال للتظاهرات الجماهيرية». وأضاف «التظاهرات استغلها بعض المندسين لإحراق المباني الحكومية لذا فإن الحظر سيستمر حتى إشعار آخر». في بغداد منعت قيادة العمليات مساء اول من امس محتجين من نصب خيام في ساحة الفردوس، تمهيداً لتظاهرة عرفت بيوم الغضب العراقي من المزمع خروجها في 25 الشهر الجاري. وشهدت العاصمة امس إجراءات أمنية لافتة. وأفاد مصدر في الشرطة أن «تعليمات صدرت من الجهات العليا بتكثيف الإجراءات الأمنية على خلفية التظاهرة الاحتجاجية التي شهدتها محافظة واسط وتخللها أعمال عنف». وأوضح المصدر الذي طلب عدم كشف اسمه أن «القوات الأمنية تخشى تكرار ما حصل من أعمال شغب في محافظة واسط في بغداد»، وأشار إلى أن «الانتشار الأمني رافقته عمليات تفتيش للسيارات». وقال الناطق في قيادة العمليات اللواء قاسم عطا ل «الحياة» امس إن «القوات الأمنية لن تتعرض لأي تظاهرة «، مضيفاً أن «حق التظاهر مكفول في الدستور» و «ما ستقوم به الأجهزة الأمنية هو حماية المتظاهرين وتأمين الطرق». في كركوك، اعلن مصدر طبي عراقي مقتل شخصين وإصابة اكثر من 30 آخرين خلال تظاهرة في مدينة السليمانية، للمطالبة بمعالجة البطالة والفساد وتحسين الأوضاع في المنطقة. وشارك في التظاهرة نحو ثلاثة آلاف شخص تجموا بعد جلسة مفتوحة في ساحة الحرية وسط السليمانية بدعوة من «شبكة حماية الحقوق والحريات» وحمل المتظاهرون لافتات كتب على إحداها «نطالب بتغيير الحكومة» و»بإحالة المفسدين على القضاء»، وساروا باتجاه شارع سالم حيث مقرا الحزبين الرئيسين. واستمرت التظاهرة لأكثر من ساعتين. وقال المتحدث باسم حركة التغيير المعارضة محمد توفيق إن «الحركة غير مشاركة وليس لها يد في هذه التظاهرة» وطالب المتظاهرين ب»عدم إثارة المشاكل». و حذر رئيس البرلمان أسامة النجيفي من «ضبابية الرؤية في حال اتساع الفجوة بين الحاكم والمحكوم والابتعاد عن هموم الناس»، ودعا إلى «المبادرة للإصلاح وتوفير العيش الكريم والاستقرار». وقال النجيفي في كلمة ألقاها خلال جلسة البرلمان امس إن «الحاكم مكلف خدمة الناس ومنصبه ليس حظوة أو تشريفاً ومن الضروري إزالة كل الفوارق بين الحاكم والمحكوم»، وأشار إلى أن «مجلس النواب سيبادر إلى الوقوف مع الناس وتبني قضاياهم العادلة والتعاون مع الحكومة لتنفيذ مطالبهم وفق القوانين والأعراف وبما أمرنا به الإسلام».