بدا الجدول اليومي للمصريين بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك متخماً بالأعمال رغم توقف حركة العمل أصلا في كثير من القطاعات تأثراً بالاحتجاجات الفئوية. صباحاً يتابع المواطن «مسلسل فضائح الفساد»، وظهراً يذهب إلى المشاركة في احتجاج أو اعتصام لإعلان مطالب فئوية، وعند العصر ينتظر الكل بيان الجيش. وما أن يسدل الليل ستاره حتى ينصرف الناس للاحتفال بالثورة. ومع زيادة «الانتفاضات» الفئوية للمطالبة بتحسين الأوضاع وبعدما حدد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير أمور البلاد خريطة طريق للإصلاح السياسي متعهداً بالانتقال الى دولة مدنية، وجه المجلس أمس تحذيراً إلى الفئات صاحبة التجمعات والاعتصامات والتظاهرات، وناشد المواطنين العودة إلى الحياة الطبيعية، منها الى ما تسببه هذه الاحتجاجات الفئوية من أضرار بأمن واقتصاد البلاد. وأظهر بيان المجلس أن الجيش يحرص على بسط سلطته على الأرض، لكن يحرص على استخدام لغة المناشدة لتبديد المخاوف من تدخل العسكر بقوة في الحياة المدنية، كما يعيد تأكيد تعهداته بتنفيذ ما ألتزم به على المستوى السياسي. ولوحظ أن الجيش لم يبد اعتراضه على تظاهرة مليونية دعت اليها حركة «25 يناير» الجمعة المقبل في ميدان التحرير للاحتفال بالثورة يتوقع أن تتخطى طابعها الاحتفالي إلى استعراض قوة الشباب على الحشد من أجل إيصال رسالة مفادها ضرورة تنفيذ مطالبهم. رسائل التطمين التي حرص الجيش على توجيهها الى الداخل والخارج شملت أيضا لقاء عقده اثنان من أعضاء المجلس مع مجموعة من شباب «ائتلاف ثورة 25 يناير» بينهم وائل غنيم، ناقشا فيه «خطوات المستقبل» و»تحركات الاصلاح». وطلب المجلس من الشباب تقديم تصورهم في ورقة مكتوبة خلال اجتماع ثان يعقد الاسبوع الجاري على الأرجح. الشباب من جانبهم، اعتبروا تلك المبادرة «خطوة في الاتجاه الصحيح نحو الاستماع إلى رؤية الطوائف السياسية كافة». ونقل غنيم على صفحته على موقع «فايسبوك» عن قيادات الجيش تأكيد عدم رغبتهم في «استلام الحكم في مصر وأن الدولة المدنية هي السبيل الوحيد لتقدم مصر». وحسب غنيم، أبلغت قيادات الجيش الشباب بأنهم «دافعوا عن استمرار الحكومة الحالية لأن تسيير الاعمال أصبح ضرورياً لحماية مصالح الشعب (لكنهم) سيعملون بشكل سريع على تغييرها». وفي هذا الصدد علمت «الحياة» أنه ينتظر إعلان تشكيلة حكومية الاسبوع المقبل تخلو من قيادات ورموز وأعضاء «الحزب الوطني» وتضم شخصيات وطنية مستقلة وربما معارضين. وتلقى الشباب وعداً بإطلاق المعتقلين من زملائهم. وعلى صعيد خطوات الإصلاح السياسي، تخطط القيادة العسكرية لتنظيم استفتاء خلال شهرين تطرح فيه تعديلات دستورية تقرها لجنة دستورية مشهود لها بالنزاهة شكلها الجيش لهذا الغرض على أن تنتهي منها في غضون أيام. وعُلم أن لجنة تضم خبراء دستوريين وقانونيين يترأسها المستشار أحمد البشري سيعلن عنها قريباً جدا لتتولى إعداد التعديلات الدستورية. وكانت الاحتجاجات الفئوية التي تجتاح مصر وشلت العمل في كثير من القطاعات أبرزها البنوك، شهدت أمس سقوط أول قتيل في مدينة القصير جنوب محافظة البحر الأحمر، في حين أوقف محتجون من العاملين في «نفق الأزهر» المحوري في وسط العاصمة المصرية حركة المرور فيه للمطالبة بتحسين أوضاعهم الوظيفية والمعيشية، فيما واصل العاملون في البنك «الأهلي المصري» اعتصامهم أمام المقر الرئيسي، احتجاجا على عدم الاستجابة لمطالبهم، وعلى رأسها إقالة رئيس مجلس الإدارة طارق عامر. وتظاهر أيضا مئات من موظفي بنك الاسكندرية مطالبين بإعادة ملكيته إلى الدولة وإقالة إدارته. وتوقفت خطوط الانتاج في مطاحن رئيسية عدة بسبب اضراب عمالها احتجاجاً على تدني رواتبهم، وعدم تثبيت العمالة الموقتة. وواصل عامل في قطاع الآثار اعتصامهم أمام مقر وزارة الدولة لشؤون الآثار للمطالبة بتحسين أوضاعهم. وإزاء هذا الوضع تدخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة مستخدماً «القوة الناعمة» لثني المحتجين عن مواصلة هذه التظاهرات، وناشد المواطنين والنقابات المهنية والعمالية «القيام بدورها على الوجه الأكمل كلا في موقعه»، منتقدا الاحتجاجات الفئوية التي يرى «المصريون الشرفاء أنها تؤدي إلى آثار سلبية فى هذا الوقت الحرج»، ومعرباً عن تقديره «لما تحملوه لفترات طويلة»، داعياً كل المواطنين الشرفاء إلى «تضافر جميع الجهود للوصول بالوطن إلى بر الأمان وبما لا يؤثر على عجلة الإنتاج وتقدمها». ولوحظ أن البيان السادس لم يلجأ إلى تحذير المحتجين بل استخدم لغة هادئة في محاولة إقناعهم. وبدت الأرقام التي كشفت عنها التحقيقات الخاصة بفساد أركان النظام السابق «مخيفة»، ما دعا النائب العام إلى الإسراع في فتح التحقيقات في شأن تورط مسؤولين سابقين في قضايا فساد. وعُلم أن السلطات المصرية أرسلت قائمة تضم أسماء مسؤولين ووزراء سابقين إلى دول أوروبية طالبة تجميد أرصدتهم لديها لحين انتهاء التحقيقات الجارية في القاهرة بخصوص وقائع فساد ربما يتورط فيها هؤلاء، وهو ما أكده وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ. كما بدأت النيابة العامة تحقيقات في بلاغات تتعلق بقيام الرئيس السابق حسني مبارك الذي ساءت حالته الصحية وعائلته بالتربح والكسب غير المشروع. وتجري السلطات المحلية حصراً بالثروات العقارية والأراضي التي يمتلكها وزراء ومسؤولون سابقون ورجال أعمال ارتبطوا بنظام مبارك. ودعت اللجنة القومية لتقصي حقائق أحداث ثورة 25 يناير بشأن جرائم الاعتداء على المتظاهرين العزل في ميدان التحرير منظمات المجتمع المدني وكل المواطنين للتقدم إليها بما قد يتوافر لديهم من بيانات تفيد اللجنة بشأن ما وقع من جرائم بهذا الشأن. وأشارت اللجنة في ختام اجتماعها أمس برئاسة رئيس محكمة النقض الأسبق المستشار الدكتور عادل قوره إلى أن المهمة المنوطة للجنة هي واجب وطني لا يحتمل التأخير في أدائه خوفا من ضياع الأدلة عمدا أو إهمالا أو نسيانا. وطالبت أجهزة الدولة بأن تلبي ما قد تطلبه اللجنة من مستندات و بيانات لازمة لحسن إنجاز مهمتها.