نجحت النضالات النسائية الأردنية التي استمرت عقوداً، أخيراً بإلغاء أهم مادة تعتبر «تمييزاً قانونياً» بحق المرأة وهي المادة (308) من قانون العقوبات، بعدما اجبرت فعاليات مكثفة وتحشيد مجتمعي كبير مجلس النواب الأردني على شطبها من القانون. واعتبرت أوساط الناشطين والحقوقيين إلغاء المادة «السيئة السمعة»، بمثابة انتصار قانوني للمرأة الأردنية وتنقية للتشريعات من النصوص التمييزية والمجحفة بحقها. وتنص المادة المذكورة على إعفاء «مغتصب الأنثى من العقوبة في حال زواجه من ضحيته وفق المادة 308 من قانون العقوبات» كما تنص على أن «اغتصاب الذكر لا يعد اغتصاباً بل هتك عرض، حتى وإن كان قاصرًا». ووافق مجلس النواب الأردني في جلسته التي عقدها في الأول من آب (أغسطس) الحالي، على التعديل المقدم من الحكومة التي ألغت المادة المذكورة من قانون العقوبات. ورفض المجلس قرار لجنته القانونية، والتي عدلت النص الأصلي للمادة 308. وجاءت توصية اللجنة القانونية النيابية بعدم إلغاء المادة المذكورة وإبقائها مع حصرها بثلاث حالات، وهي مواقعة قاصر، وهتك عرض قاصر، وخداع بكر بوعد بالزواج، بعد أن كانت تطاول حالات عديدة وردت في فصل كامل بقانون العقوبات، وذلك خلافًا للتعديل الذي دفعت به الحكومة إلى مجلس الأمة ونص على إلغاء المادة. وبقرار شطب المادة 308 ينضم الأردن إلى قائمة دول أجنبية وعدد قليل من الدول العربية التي ألغت من تشريعاتها نصوصاً تعفي الجاني من العقاب في حال تزوج من المجني عليها. ولم تخمد مطالبات إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات منذ عقود، بيد انها اشتدت وشهدت تحشيدًا شعبيًا لإلغائها نهائيًا منذ ان بدأ مجلس النواب النقاش حولها في دورته الاستثنائية الحالية، سيما أن الحكومة أوصت بإلغائها تمامًا من مشروع قانون العقوبات الجديد. ويعتبر المصدر المباشر للنصوص المتعلقة بالاغتصاب في قوانين العقوبات هو المادة 206 من قانون الجزاء العثماني المعدل لعام 1911 والمستمدة أحكامه من قانون العقوبات الفرنسي لعام 1810. واعتبر «الحراك المدني المجتمعي» الذي يمثل منظمات نسوية وحقوقية أردنية، إلغاء المادة «انتصاراً حقوقيًا»، مشيراً إلى أن هذا الحراك الذي عمل بلا كلل جاء من اجل كرامة وحماية النشء وتحقيق العدالة، دعماً للحريات والحقوق الفردية وتعزيزاً لحقوق الحماية والرعاية والتعليم والتوعية القانونية والصحية والنفسية لضمان أمان بنات الاْردن وأبنائه. وأكد الحراك في بيان انه لن يتوقف عن المطالبة بإلغاء القوانين المميزة ضد المرأة والمشاكل التي يواجهها المجتمع بسببها، مشددين على أن هذا الجهد والتكاتف ما هو الا حجر أساس في العمل في شكل متكامل على كل القضايا التنموية والمجتمعية التي يواجهها المجتمع الأردني في شكل عام والنساء في شكل خاص. واعتبرت جمعية «تضامن»، إن موافقة مجلس النواب على إلغاء المادة من قانون العقوبات إلغاء تاماً انتصاراً لسيادة القانون وإنهاء لسياسة إفلات مرتكبي الجرائم الجنسية من العقاب، ما يعزز من العدالة الجنائية للنساء والفتيات وينهي النصوص التمييزية ضدهن في التشريعات بخاصة قانون العقوبات الأردني. وأكدت «تضامن» أن إلغاء المادة سيفسح المجال أمام التركيز على تقديم الخدمات للناجيات من الجرائم الجنسية وحمايتهن، وعلاجهن من الصدمات النفسية والمشاكل الجسدية والصحية، وإعادة تأهيلهن وإدماجهن في المجتمع لتجاوز الآثار المترتبة على ما تعرضن له من عنف جنسي، ومواصلة حياتهن من تعليم وعمل وبناء أسر قائمة على المودة والاحترام. وقالت مفوضة الحماية بالوكالة في المركز الوطني لحقوق الإنسان نسرين زريقات إن قرار النواب فيه انتصار للمرأة وللجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني وكل من دفع باتجاه إلغاء المادة المذكورة. كما رأت الأمينة العامة لتجمع لجان المرأة الوطني الأردني سلام الحسان ان إلغاء المادة يعد انتصاراً للنساء، متوقعة ان تخف هذه الظاهرة مع تمسك الدولة بإظهارها أن القانون يقف مع الضحية، ويقتص من الجاني. وكان المجلس واجه صعوبات كثيرة وإرباكاً في اتخاذ القرار، اذ رفض نواب نتائج التصويت واعتبروا أنه مخالف للنظام الداخلي قبل أن يعلن رئيس اللجنة القانونية مصطفى الخصاونة و3 نواب آخرين استقالتهم من اللجنة احتجاجاً على ما وصفوه ب «الأسلوب والإجراء المخالف للنظام الداخلي». وكان رئيس الوزراء هاني الملقي تمسّك بإلغاء المادة (308) الواردة في مشروع قانون العقوبات، وقال في حديث إلى مجلس النواب قبيل مناقشة المادة (50) من التعديلات الطارئة على مشروع القانون إن «التعديل المطروح على المادة 308 يمس القواعد المفصلية والتي تشكل المجتمع الأردني والمبني على قيم العدالة والأسرة والدين الحنيف». وكان رئيس اللجنة القانونية مصطفى الخصاونة أشار إلى أن اللجنة فرقت بين حالتين في المادة (308) وهي أن يقع فعل المواقعة بالرضى أو بالإكراه، وقال «لا يمكن لعاقل أن يقبل تزويج فتاة لمن قام باغتصابها والحالات الواقعية تتحدث عن أن غالبية الحالات ليست اغتصاباً».