بعد عقدين من المطالبات والأعمال الاحتجاجية في مجال الدفاع عن حقوق المرأة المغتصبة، توج النضال النسائي في الأردن أخيراً بإلغاء الحكومة الأردنية للمادة 308 من قانون العقوبات، والتي كانت تعفي المغتصِب من الملاحقة القانونية في حال الزواج من المغتصَبة. وعلى رغم اعتبار القطاع النسائي الأردني هذه الخطوة انتصاراً حقيقياً، فإنه عبر عن غصته من إبقاء تطبيق المادة المذكورة في حالة «مواقعة قاصر بالرضا». وتفيد بيانات محكمة الجنايات الكبرى الأردنية بأن جميع المغتصبين الذين تزوجوا الضحايا أوقف بحقهم تنفيذ العقوبة وفق المادة 308 من قانون العقوبات الأردني. وتشير هذه البيانات إلى أن هؤلاء المغتصبين نجوا من العقوبة رغم صدور أحكام قضائية مختلفة بحقهم، مثل حكم الإعدام شنقاً، أو الحبس لمدة 25 عاماً، علماً أن الجناة من جنسيات مختلفة، منها الأردنية. وكتبت الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة سلمى النمس على «فايسبوك»، أن «إلغاء المادة 308 تقدم مهم في مناهضة العنف والتمييز ضد المرأة، بيد أن التعديل للأسف أبقى استخدام المادة في الحالات الأخرى، مثلاً المواقعة بالرضا». وأضافت: «للأسف لا يمكن الاعتداد برأي طفلة عمرها بين 15 و18 في هذه الحالات، وبالتالي فإن موقف اللجنة الوطنية لشؤون المرأة لا يزال يطالب بإلغاء المادة بشكل كامل». وكان زير العدل الأردني بسام التلهوني، أعلن خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال محمد المومني، أن الحكومة قررت إلغاء المادة 308، وإبقاء جريمة المواقعة بالرضا (الزنا) في المشروع المعدل لقانون العقوبات. كما قال التلهوني إن تغليظ بعض العقوبات جاء لتتناسب مع حجم الجرم وتوسيع مظلة التجريم في بعض الأفعال، مشيراً إلى إلغاء عبارة الأشغال الشاقة في مشروع القانون المعدل للعقوبات. وينص قانون العقوبات الأردني على معاقبة «مرتكب جريمة الاغتصاب بالأشغال الشاقة الموقتة مدة لا تقل عن عشر سنوات، ويعاقب بالإعدام من أقدم على اغتصاب فتاة لم تتم الخامسة عشرة من عمرها». كما «يعاقب مرتكب جريمة هتك العرض بالعنف أو التهديد بالأشغال الشاقة مدة لا تقل عن أربع سنوات، ويكون حدها الأدنى سبع سنوات إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من عمره، وبالأشغال الشاقة الموقتة إذا كان من هتك عرضه لا يستطيع المقاومة بسبب عجز جسدي أو نقص نفسي أو بالخداع، ويعاقب كل من هتك عرض طفل أو طفلة بعنف أو تهديد أو بدونهما بالأشغال الشاقة الموقتة مدة لا تقل عن ثماني سنوات». ووفق بيان لمعهد تضامن النساء الأردني «تضامن»، فإن المدعي العام لمحكمة الجنايات الكبرى القاضي علي أبو زيد، كان قد أخبر المعهد في مخاطبات سابقة بأنه «كمدع عام جنايات كبرى، أوقفت الملاحقة للجناة في جرائم الاغتصاب حين يقدّمون عقود زواج صحيحة معتمدة/ موثقة من الجهات الرسمية ذات العلاقة والاختصاص، ومناطها المحاكم الشرعية، وذلك من خلال الإجراءات الرسمية المعتمدة، بحيث نوقف الملاحقة ونستردّ مذكرة التوقيف إذا كانت القضية ما زالت في طور الملاحقة». وكان النضال النسائي الأردني تجسد على مدى العقدين الماضيين في تنفيذ حملات لإلغاء المادة 308، على اعتبار أنها عقوبة مزدوجة للمجني عليهن، بقوة القانون، كما أنها تشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق النساء، وتُعرّض المجني عليهن لمعاناة نفسية وجسدية شديدة الخطورة. وتشير «تضامن» الى أنها وخلال الشهر الماضي، وبناء على نتائج الدراسة البحثية التي نفذّتها، تم تشكيل التحالف المدني الأردني لإلغاء المادة 308، والذي يضم أكثر من 50 هيئة ومنظمة وجمعية من مختلف محافظاتالأردن، مؤكدة أن عدد أعضاء التحالف في تزايد مستمر. وجزمت «تضامن» بأن عينة هذه الدراسة تمثل فئات المجتمع الأردني في كل المحافظات ومن كل الأعمار والمستويات التعليمية. وشملت عينة الدراسة التي وزع عليها الاستبيان، 850 فرداً من الذكور والإناث، من بينهم 36 من ذوي الإعاقة وبنسبة 4.2 في المئة من العدد الإجمالي، فيما أظهرت النتائج أن عدد المستجيبين/ المستجيبات بلغ 771 وبنسبة استجابة 90.7 في المئة، وتساوى تقريباً عدد المستجيبين مع عدد المستجيبات بحسب الجنس، فبلغ عدد المستجيبين 49.8 في المئة وعدد المستجيبات 50.2 في المئة. وبسؤال عينة الدراسة عن تأييد حملة بشأن المادة 308 من قانون العقوبات، أيد ذلك 70.8 في المئة وعارضه 13.5 في المئة، فيما أجاب 15.7 في المئة منهم بأنهم لا يعرفون. ونتيجة ذلك، وبحسب «تضامن»، فإن ثلاثة من كل أربعة أشخاص تقريباً يؤيدون حملة تتعلق بالمادة 308، ما يشير الى أن غالبية المجتمع الأردني مع إلغائها. ويروي الطبيب الشرعي رجائي الشوحة تجربته العملية في مجال تطبيق المادة 308 على صفحته على «فايسبوك» بقوله: «في أكثر الحالات التي أعاينها، تتقدم الأنثى بشكوى الاغتصاب على شاب تكون متفقة معه على الزواج ويكون الأهل ضد هذا الزواج، فتقوم الأنثى بتقديم شكوى الاغتصاب لكي يقوم المحافظ بتزويجها منه». ويضيف: «أنا شخصياً مع إسقاط هذا البند من المادة، لأنه قد تأتي حالة يكون فيها الاغتصاب حقيقياً ويتم زواج تسقط فيه العقوبة».