خلال شهر آذار (مارس) الماضي، وبعد أن طالت جلسة للحكومة اللبنانية، شعر الوزراء بالجوع، فاستعان رئيس الحكومة سعد الحريري بعدد من تطبيقات الهواتف الذكية من أجل طلب الطعام إلكترونياً للوزراء، في خطوة لدعم جهود شباب لبنانيين مبتكرين وتشجيعهم على مواصلة مشاريعهم في بلدهم. وعند وصول الطعام، عرّف الحريري الوزراء الحاضرين إلى أصحاب المبادرة الشبان الذين طوّروا هذه التطبيقات، قائلاً: «هذا هو الاقتصاد الجديد الذي نريد تشجيع نموه في بلدنا، وهؤلاء هم عينة من الشباب المبدعين، أصحاب المبادرات الناجحة في هذا المجال». وقد شهد لبنان أخيراً مبادرات عدة ترمي إلى احتضان الأفكار المبتكرة ودعمها من أجل تحسين فرص الشباب وأصحاب المشاريع المتطوّرة وتثبيتهم في مجتمعاتهم. وقدّم عدد من اللبنانيين، مجموعات وأفراداً، خلال الأشهر الماضية مقترحات مبتكرة إلى جهات ومبادرات فتحت أبوابها لتبنّي مشاريع متطوّرة، منها شركة «بيريتيك» التي أطلقت مركز «آغريتيك» المختصّ بمجال الأغذية الزراعية بتمويل من الحكومة الهولندية، والذي يهدف إلى تطوير الأفكار المبتكرة وإشراك أفضل الشركات الناشئة التي تمتلك أحدث الابتكارات في قطاع الأغذية الزراعية، بهدف تزويدها بالموارد التقنية والتجارية المناسبة، إضافة إلى الدعم المالي والاجتماعي، للتشجيع على تنمية القطاع الزراعي والاستثمار في المجتمعات المحلية التي تعتمد على الزراعة. مبادرة أخرى أطلقتها مؤسسة COSV الإيطالية بالتعاون مع «وكالة التنمية الاقتصادية المحلية في الشمال» وبتمويل من الاتحاد الأوروبي تحت اسم «فرصة» في منطقتي البقاع وعكار، اللتين استقبلتا عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين. وتهدف هذه المبادرة إلى توفير خدمات لتطوير مقترحات مبتكرة مرتبطة بقطاعات الزراعة، تربية النحل، تربية الدواجن، الحِرَف، الخدمات ومعالجة منتجات الأغذية الزراعيّة، وتمويلها ومتابعتها من أجل تأمين سبل العيش وتعزيز القدرة على المواجهة في المجتمع المحلي والاستقرار والتماسك المجتمعي بين المجتمع اللبناني المضيف واللاجئين السوريين. وفاقت المشاريع التي تقدّمت إلى «آغريتك» و «فرصة» التوقعات، واستمرّت حتى بعد إغلاق باب تقديم الطلبات، وفق ما يقول قائمون على هذه المبادرات ل «الحياة». إقبال غير متوقّع ويكشف مدير وكالة «التنمية الاقتصادية المحلية» في الشمال سيمون بشواتي أنها تلقت 147 طلباً، في حين كانت تتوقع ألا تزيد الطلبات عن 60 طلباً، موضحاً أنه سيتم اختيار 40 مشروعاً تراعي شروط الاستدامة والتميّز والابتكار، لتطويرها بعد الخضوع إلى مرحلة التدريب وإعادة تقديمها في شكلها النهائي، لينحصر العدد لاحقاً بين 5 و7 مشاريع ستنظر فيها لجنة تحكيم مؤلفة من خبراء واختصاصيين، على أن ينال أصحاب المشروع الفائز منحة بقيمة 30 ألف يورو مع خدمات التوجيه والتدريب لاحقاً. ويؤكّد بشواتي أن هذه المشاريع ستحقّق أثراً إيجابياً في المجتمع وستوفّر فرص عمل للبنانيين واللاجئين، إضافة إلى المساهمة في دعم التنمية الاقتصادية في المجتمعات المحلية والاستثمار فيها، «فالمشروع لن يفوز إن لم تتوافر فيه هذه الشروط». كذلك، يؤكّد مدير البرامج في «آغريتك» هادي حديب أن المشاريع الفائزة في مسابقتهم «ستؤمّن بالتأكيد فرص عمل عدة وستساعد المزارعين على تحسين إنتاجهم»، موضحاً أنه تم اختيار 11 مشروعاً سيتنافس أصحابها في المرحلة المقبلة، تنضم بموجبها 8 مشاريع إلى برنامج حضانة الأعمال ومدته ستة أشهر والحصول على منح بقيمة 22 ألف دولار لكل مشروع، ودعماً لمدة تصل إلى عام كامل لكل من الشركات الناشئة. وتشكّل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أكثر من 90 في المئة من الشركات في لبنان وتوظّف نصف عدد السكان، وفق إحصاءات وزارة الاقتصاد. محو أمية رقمية وبموازاة المبادرات والمشاريع المبتكرة، تعمل الجامعة الأميركية في بيروت أيضاً على الخط عينه لمساعدة أبناء المجتمعات المحلية والضعيفة واللاجئين السوريين على توسيع سبل كسب العيش، وذلك عبر برامج مصممة لهم خصيصاً للاستفادة من الطلب العالمي المتزايد على خدمات البيانات الرقمية القائمة على أصحاب المهارات القليلة والعمالة الوفيرة. وفي هذا الإطار، أكملت المجموعة الأولى من اللاجئين السوريين وأبناء المجتمعات الضعيفة المضيفة لهم، في سهل البقاع، تدريباً على المهارات الرقمية واللغة الإنكليزية قدّم من خلال شراكة بين الجامعة الأميركية عبر «مركز الالتزام المدني وخدمة المجتمع»، التابع لها، و «برنامج الأغذية العالمي». ومن خلال برامج للتدريب المهني على مدى شهرين، قدّم مشروع التكنولوجيا للأغذية «تك فور فود» لمجموعة من 70 طالباً، تدريباً مكثّفاً على المهارات الرقمية استمرّ 6 أسابيع وبرنامجاً مكثّفاً لتعلّم اللغة الإنكليزية استمرّ أسبوعين. وسيتبع ذلك 6 أسابيع من التعليم المتطوّر القائم على مشاريع، وتدريب افتراضي للطلاب العائدين. ويقول ربيع شبلي مدير «مركز الالتزام المدني وخدمة المجتمع» ل «الحياة» إن المركز يهدف مع شركائه من خلال هذا البرنامج إلى بناء قدرات ألف طالب في البقاع وبيروت بحلول نهاية عام 2017، مضيفاً أن هذا المشروع بمثابة «محو أمية رقمية» وخطوة أولى للمتدرّبين لتحفيزهم على تطوير أنفسهم وانخراطهم في العالم الجديد. «اليوم من ليست لديه خبرات في عالم الإنترنت، أصبح خارج سوق العمل وفرصه بالتأكيد ستكون أقل. لذا فإن هذا التدريب يفتح المجال أمام الشباب وأصحاب الكفاءة للعمل في مجالات كثيرة، ونحن نحاول أن نربطه ليخدمهم في أي اختصاص قد يعملون به في المستقبل». ويلفت شبلي إلى الاهتمام الكبير الذي يوليه المشاركون بهذا التدريب، من اللبنانيين واللاجئين، خصوصاً في منطقة البقاع، ما يؤكّد «سعي أبناء المجتمعات الضعيفة إلى تطوير أنفسهم وحاجتهم لمثل هذه المبادرات»، مشيراً إلى أنهم كانوا يتوقعون بألا يكمل جميع المشاركين التدريب إلى النهاية، لكنهم تفاجأوا بأنهم يسألون «ماذا بعد». ولم يستقطب هذا المشروع فقط الشباب الباحثين عن مهارات تمنحهم فرص عمل أفضل، بل هناك أمهات تفرّغن لهذه الدورة وتخرّجن فيها بحضور أبنائهن.