على رغم الانغلاق الشديد في مجمل أدبيات تنظيم القاعدة لم يمنعه ذلك من الانفتاح على التقنيات الحديثة بمختلف أنواعها، مستفيداً من منصات الإنترنت المتنوعة في تمرير رسائله وأفكاره إلى العالم، متحرراً من قيود التنقلات الواقعية، بعد أن أرهقته جبال الأفغان وباكستان، وأعيته شموس صحراء أفريقيا، انتقل الفكر القاعدي من الأرض إلى فضاء الإنترنت، حيث وجدت القاعدة في مواقع التواصل مساحة رحبة لاستكمال معسكراتها وتمرير أفكارها. وشهد «تويتر» في الفترة الأخيرة انتصاراً واضحاً لأنصار «القاعدة» بأفرعه كافة، فبعد أن كانت المنتديات الإلكترونية منبراً أولاً، يمكن القول اليوم إن «تويتر» أصبح المنبر الأول للتنظيم ولأنصاره، فيه تمرر الأخبار، وفيه يروج للتنظيم وأفكاره، وفيه تخاض المعارك الفكرية، على رغم ضيق مساحة ال140 حرفاً. فعودة «القاعدة» إلى المجتمع السعودي من خلال «تويتر» لم تكن مرتبطة في البداية بما يحصل في الداخل السوري، إذ بدأت حساباته في التغريد قبل أن تعلن «جبهة النصرة» هناك تشكيل قواتها، وقبل أن ينتقل تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» إلى سورية. وكانت مواضيع التغريدات محلية بحتة، ويشار في هذا السياق إلى أن موقع «حملة السكينة»، التابع لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، رصد على الشبكات الاجتماعية، قبل الأزمة السورية بزمن، «دعوات صريحة للفتنة داخل السعودية، وتحريضاً واضحاً على العنف وإثارة إشاعات لقضايا لا حقيقة لها». واستخدمت كذلك قضايا المعتقلين بملفات أمنية في السعودية، لتوجيه رأي عام معادٍ للدولة. «القاعدة» لديها من الوعي القدر الذي يمكنها من دراسة وتحليل البيئة الإلكترونية، وما يتناسب مع أفكار الجيل الواعد، وأدركت أن «تويتر» هو الساحة الجديدة التي يمكن أن تخدم أفكارها بكل يسر، بحسب ما يرى عضو مجلس الشورى والمتخصص في أنظمة الاتصالات وتقنية المعلومات الدكتور عوض الأسمري، ويعتقد أن «تويتر» يعتبر «أفضل خدمة وجهت إلى تنظيم القاعدة، كونه يهتم بغربلة وإذاعة الأفكار، إذ إن التنظيم يعمل وفق خطة ممنهجة لنشر أفكاره بطرق مختلفة وحديثة، إضافة إلى أن قنوات التواصل الجديدة تُعد البيئة الحاضنة للشباب، وبالتالي فالقاعدة إذا ما أرادت أن تنشر فكرها بينهم فلابد من أن تكون حاضرة معهم، وتتجاذب معهم أطراف الحديث، حتى تتمكن من اجتذابهم إلى خنادقها». وأوضح الأسمري أن «الحل يكمن في أمور عدة، أهمها محاربتها إلكترونياً من خلال الرد على شبهاتهم على مرأى ومسمع الجميع، والكشف عن ملابستهم التي ربما تخفى على الكثير من الشباب». وشدد على أن تكون هناك اتفاقات دولية لمجابهة القاعدة إلكترونياً، وتحديداً في «تويتر»، إذ إن القاعدة خطر يهدد العالم، ولا ينبغي أن تسرح وتمرح في مواقع التواصل كما تريد من دون أن يتحرك العالم، بل ينبغي مواجهتها وقطع الطريق أمامها، ولا يعتبر ذلك نقيضاً للخصوصية. ولم تكن الدولة بعيدة عن كل ما يحدث في «تويتر»، وفقاً لما أكده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلمة ألقاها نيابة عنه وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة خلال افتتاح القمة الآسيوية ال11 للإعلام في جدة. وجاء في الكلمة أن «وسائل التواصل الاجتماعي بدأت تأخذ جزءاً كبيراً من الساحة الإعلامية، ولم نكن بعيدين عنها ولا خائفين منها، بل وفّرت الدولة لها بنية قوية على امتداد مساحات المملكة الواسعة، وارتفعت نسبة مستخدميها، ووضعت الدولة لها تنظيماً يضمن مساهمتها في التعليم والثقافة، وتكون ملتقى لتبادل الآراء المفيدة بالحكمة والعقل». وكان وجود السعوديين كمقاتلين في سورية تحت «الرايات السوداء» للتنظيم، دعاية كبيرة له أمام المغردين السعوديين بعد ظهور شخصيات معروفة للسعوديين على الأراضي السورية للقتال هناك. وشكل ظهور نجم أحد مواقع التواصل الاجتماعية في السعودية، سليمان السبيعي المعروف ب«السمبتيك»، في سورية دليلاً واضحاً على أن التنظيم يستخدم السعوديين لديه وسيلة دعائية، ووفق لقاء أجراه السبيعي بعد عودته من سورية مع القناة الأولى السعودية، لم يكن للسعوديين دور يذكر في القيادة أو التخطيط «بل يوضعون على الجبهات كي يقاتلوا فقط»، وهذا ما يلاحظ في نعي التنظيم مقاتليه على «تويتر»، إذ إن أعداد القتلى السعوديين نسبة إلى غيرهم من الأجانب في التنظيم، عالية بشكل يدعو إلى التساؤل! وأوضح السبيعي في حديثه عبر برنامج «همومنا»، كيف استغل التنظيم حسابه على «تويتر» في إرسال الدعوات إلى الشباب للقتال في سورية، وكيف بدأ يهاجم العلماء ويحرض ضد الحكومة السعودية، ما يعني أن التنظيم الإرهابي كان يعرف ماذا يريد من السعوديين وكيف يدير حملة علاقات عامة لتشويه صورة بلادهم لديهم، ودعوتهم إلى التبرع عبر عناصره التي تدعمه من خلال حسابات شخصية في المصارف السعودية أو الخليجية أو عبر الملتقيات التي كانت تشكل عند بعض المساجد لتسليم التبرعات يداً بيد. ولا شك أن للأمر الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بالسجن مدة لا تقل عن ثلاثة أعوام ولا تزيد على 20 عاماً، لكل من يشارك في أعمال قتالية خارج السعودية، أو ينتمي إلى التيارات والجماعات الدينية أو الفكرية المتطرفة، أو المصنفة داخلياً أو إقليمياً أو دولياً منظمات إرهابية، مع شمول العقوبة من يؤيدون تلك الجماعات والتيارات ومن يفصحون عن التعاطف معها ب«أية وسيلة كانت»، أثراً كبيراً في قص أجنحة «القاعدة» على «تويتر» من داخل السعودية.