قد يختلف الإيطاليون وسواهم من الأوروبيين على تقويم رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلوسكوني وسياساته. لكن ثمة توافقاً على موهبته في جذب انتباه وسائل الإعلام، وتميّزه في التواصل مع الناخبين، لا سيّما عشية استحقاق انتخابي، سواء من خلال وعود أو كيفية قطعها، والتي تُحرِّره غالباً من سعي المستمع إلى التمحيص في إمكان تحقّقها. ولأن بيرلوسكوني يدرك جيّداً أن حزبه «إيطاليا إلى أمام» ما عاد الحصان الرابح، ولا تمنحه مؤسسات استطلاعات الرأي أكثر من المرتبة الثالثة المحتملة في انتخابات البرلمان الأوروبي هذا الشهر، بعد «الحزب الديموقراطي» بزعامة رئيس الوزراء الشاب ماتّيو رينزي، وحركة «5 نجوم» بزعامة الكوميدي السابق بيبّي غريلّو، حشد رئيس الوزراء السابق في الأسبوعين الماضيين، كل شبكات التلفزيون ومحطّات الإذاعة والصحف، عبر تصريحاته وحواراته، واستعان بحكم قضائي بسجنه سنة، سينفّذه في أداء خدمة عامة، بعد إدانته بتهرّب ضريبي، ليحوّل «فترة حبسه» فرصة لاستعادة قاعدة مفقودة، ولا عجب أن جميع الناطقين باسم «إيطاليا إلى أمام» انسحبوا وبدوا كأنهم أُصيبوا ببُكم، إذ «لا مجال للكلام حين يتحدث الزعيم»! وفي دليل على القدرة «المغناطيسية» لبيرلوسكوني، حاصر عشرات من الصحافيين والإعلاميين وكاميرات التلفزيون العالمية، مركزاً للعناية بعجزة مُصابين بمرض الزهايمر في «تشيزانو بوكّوني» في ضواحي مدينة ميلانو، لنقل وقائع وصول رئيس الحكومة السابق، ليبدأ يوم عمله التطوعي الأول في فترة العهدة التي تستغرق عشرة شهور، وتنص على قضائه 4 ساعات أسبوعياً في دار للمسنّين. وكان بيرلوسكوني استبق وصوله معلناً أنه «سيرعى مرضى الزهايمر»، وأضاف: «أعيش هذه التجربة بثقة كاملة بأنني سأقدّم دعماً وعناية لمن يحتاجهما، وأعتبر الأمر إثراءً حقيقياً لي. سأبقى (في المركز) لمدة أطول مما كان مقرراً. 10 أيام كانت كافية بالنسبة إليّ لأفهم كل شيء عن نظام العناية الطبية». ووصل بيرلوسكوني إلى المركز، ترافقه مديرته جوليانا مورا، وماريا جوفانّا سامبيازي التي ستكون «المربّية القانونية» المشرفة على إعادة تأهيل رئيس الوزراء السابق. وهو حضر إلى المكان بكامل أناقته، كما لو أنه سيجلس أمام كاميرا في برنامج حوار. عملياً لم ينفّذ بيرلوسكوني أي شيء في اليوم الأول من «عمله»، إذ أمضى معظم وقته مع المُصلحة الاجتماعية، للتعرّف إلى صيغة العمل وكيفية التعامل مع مرضى الزهايمر، قبل مغادرته بعد 4 ساعات. وكان ماسيمو ريستيلي، الطبيب المشرف على أجنحة العناية في المركز، أشار إلى «إفهام بيرلوسكوني أن (المركز) سمته الهدوء ولا مكان للتدخلات غير اللائقة». وبما أن «سيف ديموقليس» مسلط على رأسه بإخضاعه لإقامة جبرية، إذا أساء إلى القضاء والقضاة، استغلّ بيرلوسكوني (77 سنة) سخريته المعتادة، المغلّفة بمزاح، ولكن ذي طابع مؤثر، بقوله: «ستُعلنني الكنيسة قدّيساً في أقل من 10 سنين، لأن ما حدث لي وما سيحدث، يُظهر مقدار الصبر الذي أبديته لتحمّل كل ما حيك ضدّي». واعتبرت مؤيدة لرئيس الوزراء السابق أتت إلى محيط المركز لمساندته، أن ما يحدث «مهزلة»، داعية الرئيس جورجيو نابوليتانو إلى «العفو عنه». لكن ناشطاً في منظمة يسارية رأى أن مكان بيرلوسكوني هو سجن ميلانو، «مثل أي محتال أو لص»، متسائلاً «ماذا سيفعل هنا؟ هل سيُغنّي للمرضى؟»، قبل أن تقتاده الشرطة. وتتواصل حملة لجمع تواقيع، أطلقتها مجلة «مايكروميغا» اليسارية الفصلية، لإلغاء قرار إحالة بيرلوسكوني على مركز للعناية الاجتماعية، و»إدخاله السجن أسوة بأي مواطن، لأن أي إيطالي كان سيجد نفسه في زنزانة، لو اقترف ما اقترفه رئيس الوزراء السابق» الذي خسر مقعده في مجلس الشيوخ وإمكان ترشحه لانتخابات أو تصويته خلالها. في الوقت ذاته، صعّد رينزي هجومه على بيرلوسكوني، قائلاً: «لست مستعداً لتشكيل حكومة، مع أصحاب سوابق ومحكومين، مثل سيلفيو بيرلوسكوني وبيبّي غريلّو». وفسّر بعضهم الموقف الجديد لرينزي بأنه مؤشر إلى إحساسه ب «أخطار عودة بيرلوسكوني إلى الواجهة»، لأن ذلك سيعني تقويض دعم انتخابي ناله في الشهرين الماضيين.