خرجت الإدارة الأميركية على تقليد قديم، معلنة ادانتها للتفجير الدموي في مسجد ايراني، رغم اتهام طهرانلواشنطن بالوقوف وراءه. ويُفهم هذا الموقف الاميركي في اطار الحملة الانتخابية الرئاسية الايرانية. اذ يسعى الرئيس الحالي والمرشح محمود أحمدي نجاد، ومن ورائه المؤسسة الرسمية الايرانية الى إظهار الولاياتالمتحدة كطرف في هذه الانتخابات، وان أي تردد في التصويت لأحمدي نجاد يعني ضمنا الوقوف مع الولاياتالمتحدة ضد ايران. في حين تحاول واشنطن ان تنأى بنفسها عن هذه الصورة، حتى لو كانت رغبتها في ان يكون الرئيس المقبل اقل تصلبا في مواقفه من الغرب. وهي المواقف التي يعبر عنها المرشح الاصلاحي مير حسين موسوي. وفي هذا المعنى يخوض احمدي نجاد التنافس مع موسوي، على وقع العداء للولايات المتحدة المتهمة ضمنا بالتدخل في الانتخابات الايرانية. وذلك من اجل ضرب الرصيد الشعبي للمرشح الاصلاحي، خصوصا انه يترك ذكرى حسنة في ادارته للاقتصاد عندما كان رئيسا للوزراء خلال الحرب العراقية - الايرانية. كما ان موسوي يدعو حالياً الى التهدئة مع الغرب عموماً، منتقداً احمدي نجاد وخطبه النارية التي زادت في العزلة الدولية لايران، كما يقول المرشح الاصلاحي. وتصب هذه الانتقادات في طاحونة حملة احمدي نجاد التي تُقدمها على انها دليل على التوجه الغربي للاصلاحيين، مع ما يمكن ان ينطوي عليه ذلك من عودة النفوذ الغربي الى البلاد وضرب المبادئ التي قامت عليها الثورة والاضرار الكبير بمصالحها. وتأتي الاستطلاعات التي تعطي موسوي تقدما واضحا على احمدي نجاد، لتظهر ان خطر "التغريب" حقيقي في ايران، وان رمزه على قاب قوسين من تحقيق هدفه. كما تجري الحملة الانتخابية الايرانية على وقع اعمال العنف. وحتى لو كان هذا العنف متعدد المصادر، فإن الحملة الرسمية لأحمدي نجاد، تسعى الى ان تجعل الأمن هاجساً أساسياً في البلاد. بما يؤكد استمرار التدخل الخارجي، ومن هنا اتهام الولاياتالمتحدة في تفجير زاهدان. وفي اطار الحفاظ على الامن، تنبغي ملاحقة العملاء والمشتبه بهم واعداء الثورة، بمن فيهم المعارضون السياسيون، لتتحول هذه الملاحقة جزءا من الحملة الانتخابية في هذه الايام، وتجديدا للتعبئة حول مبادئ الجمهورية وايديولوجيتها، في المرحلة اللاحقة للانتخابات، حيث من المتوقع ان تشتد ضغوط المطالب الغربية في شأن الملف النووي الايراني، وفي شأن حدود المصالح الايرانية الاقليمية. لقد حسم مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي، عشية بدء الحملة الانتخابية، خياره تجديد ثقته بأحمدي نجاد، وبالسياسة التي اتبعها. والسؤال هو عن معنى تقدم موسوي في الاستطلاعات، وعن امكان إلحاقه هزيمة بالرئيس الحالي، رغم تزكية خامنئي للأخير. قد تكون هذه الاستطلاعات التي تقوم بها مؤسسات شبه رسمية ولا تخضع لأي رقابة محايدة تهدف الى أمور كثيرة، بينها اثنان يتعلقان مباشرة بالانتخابات. الأول، اعطاء الانتخابات طابع التنافس الديموقراطي والصدقية، واظهار ان نظام الجمهورية الاسلامية يخضع للخيار الشعبي. والآخر، هو التركيز على ان خطر الانقلاب على مبادئ الجمهورية حقيقي، عبر تقدم الاصلاحيين الذين يتساهلون في قضية المصالح الايرانية مع الغرب، وان الفشل الاقتصادي لحكومات احمدي نجاد وفشلها في تنفيذ الوعود الداخلية لتحسين معيشة الايرانيين يعودان الى استمرار الحصار الغربي وليس الى سوء الاداء. في هذا المعنى، تكون الانتخابات الرئاسية الايرانية المقبلة محطة لتجديد التمسك بالخيارات التي دافع عنها احمدي نجاد طوال رئاسته، وليس مناسبة لإعادة النظر فيها وتلبية تطلعات الايرانيين الى التنمية والعيش الافضل. خصوصا ان ثمة قناعة لدى احمدي نجاد، والمؤسسة الرسمية الايرانية، ان هذه الخيارات وجهت ضربات قاصمة الى الغرب الذي يترنح حاليا قبل هزيمته النهائية.