في الوقت الذي يتجه معظم العروض المسرحية في العاصمة دمشق إلى محاكاة الوضع السوري الراهن، عبر وجهات نظر مختلفة، يتجه المخرج سمير عثمان الباش في عرضه «زواج فيغارو» إلى الكوميديا، مقدماً نص الكاتب الفرنسي بومارشيه الشهير على خشبة مسرح فواز الساجر في المعهد العالي للفنون المسرحية. منطلقاً من كوميديا الموقف، يقدم العرض مجموعة من المفارقات الكوميدية، ملتزماً بدقة النص الأصلي، خارجاً عن لوثة «التبييء» أو الإسقاط التي تصيب العروض المسرحية في سورية اليوم. بل هو ينحاز إلى خيار العربية الفصحى، ليقدم مسرحية بومارشيه التي تدور قصتها حول كونت متسلط (لجين إسماعيل) يدخل في صراع مع شاب من حاشيته فيغارو (إيهاب شعبان) المقبل على الزواج من سوزانا (توليب حمودة) بسبب رغبة الأول في تنفيذ العرف الذي يقتضي أن ينام الكونت مع أي فتاة قبل زواجها بيوم. تتفرع من صراع الكونت وفيغارو أحداث تشترك فيها سوزانا و «الكونتيسة (كندة حميدان) وكوربيونو (فارس ياغي) الشاب الطامح إلى علاقة نسائية وبقية حاشية القصر. وتنتج من شبكة العلاقات هذه مجموعة من المواقف الكوميدية تنتهي بأصحابها إلى نهاية سعيدة يحصل فيها فيغارو على حبيبته من دون أن يمسها الكونت، ويجبر الأخير على الرضوخ لثورة فيغارو الرمزية، ويلغي قانونه في اغتصاب العذراوات قبيل زواجهن. وضع اختيار العربية الفصحى الممثلين أمام فخ وعورة الفصحى على الخشبة، لا سيما إزاء السياق الكوميدي للعرض، إلا أن الممثلين، تمكنوا ببراعة من تجاوز صعوبة اللغة، فطوعوها في خدمة الكوميديا، مستندين بذلك إلى نطق سليم واضح، وأداء يحمل حرفية مبكرة. وكذلك حال الأداء، إذ أنتج العمل الطويل لعثمان مع الممثلين أداء امتاز بتماسك واضح، يظهر من خلاله الجهد المبذول على دقائق الأمور أثناء البروفات. يطرح تقديم الكوميديا في حضرة ما تشهده سورية اليوم مجموعة من الأسئلة، أبرزها: ما هو الغرض من تقديم كوميديا في الوقت الذي يثكل بلد بأكمله؟ لماذا غاب الجانب السياسي في النص (صراع الكونت وفيغارو) وتم تسليط الضوء على الجانب الكوميدي فقط؟ من المغالاة القول في الإجابة عن هذه الأسئلة أنها هفوات تاه عنها القائمون على العرض، لا سيما أن العرض المقدم هو مشروع لطلاب السنة الثالثة في المعهد العالي للفنون المسرحية. ولعل التركيز على الكوميديا يحض الطلاب على تجاوز المأساة الراهنة أمام الجمهور، وهو ما نجح فيه الممثلون حينما تمكنوا من لعب الكوميديا على المسرح لمدة ساعتين وأكثر من دون أن يسأم جمهورهم، متجاوزين الابتذال الذي ترتكبه معظم عروض الكوميديا في المسرح السوري. تقديم الكوميديا الآن في سورية، والكوميديا المتقنة بخاصة هو متنفس في وسط جحيم الحرب، فهي تأخذ السوريين لساعات بعيداً من فوضى الحرب، تضحكهم وتعيدهم إلى جحيمهم باسمين. اختار الباش لعرضه المسرح الدائري كاسراً العلاقة بين المتفرج والممثل، وخالقاً مساحات أخرى للعب، وضعها في خدمة رقصات الفالس المقدمة في العرض، وفارضاً علاقة مختلفة مع الجمهور، بحيث يخترق الممثلون حيز الجمهور في مشاهد عدة. أما الأزياء التي اختارتها ريم الماغوط فبدت واقعية تحاكي حال عصر فيغارو، واقتصرت ديكورات قصر الكونت على أريكة وستائر، وكذلك بقية الفضاءات المفترضة في العرض الذي ابتعد عن البهرجة والبذخ اللذين تفترضهما مثل هذه العروض.