لو قمنا بإحصاء عدد الجوائز الأدبية العربية التي نالها مبدعون عراقيون طلية الخمسين سنة الماضية، فإننا سنصاب بالدهشة والخوف معاً بسبب العدد القليل من الجوائز التي قدمت لهؤلاء المبدعين والتي لا يتجاوز عددها سوى ثلاث فاز بها الشاعر سعدي يوسف «سحبت منه في ما بعد» والشاعر حسب الشيخ جعفر والقاص والكاتب محمد خضير بالإضافة إلى جوائز صغيرة قليلة أيضاً يفوز بها بين وقت وآخر شاعر شاب أو كاتب مسرحي مغمور لا يمكن ضمها إلى هذه الجوائز الكبيرة. الأسباب وراء هذه الظاهرة الغريبة كثيرة ويتحملها أكثر من طرف من العراقيين ومن مانحي الجوائز أنفسهم والأسباب السياسية هي من أهم هذه الأسباب، خلال حياة الديكتاتور وبعدها وخلال حياة حلفائه وبعدها وخلال حياة أعدائه وبعدها. بعد فشل الجبهة الوطنية بين حزب البعث والحزب الشيوعي العراقي هاجر عدد كبير من المثقفين العراقيين هرباً من بطش الطاغية المقبور فلم يبق في العراق سوى أتباعه. أما غير المنتمين فقد صمتوا أو هجروا الكتابة خوفاً على حياتهم وحياة أطفالهم. وكما هو معروف، فإن حزب البعث لم يقدم للساحة العراقية الثقافية أي اسم مهم في مجال الإبداع باستثناء الشاعر سامي مهدي. حلفاء الديكتاتور من مانحي الجوائز وغيرهم من المانحين لم يفكروا يوماً بتقديم جائزة لمبدع عراقي معارض لأنهم يعرفون النتيجة التي ستترتب على ذلك، فالجوائز التي حصل عليها سعدي وحسب ومحمد خضير كلها كانت بعد الاحتلال الأميركي للعراق، أي بعد سقوط صدام. الأعداء كذلك لم يقدموا أية جائزة لأي مبدع عراقي لأنهم يخافون أن تحسب هذه الجائزة للعراق وقد يساء تفسير الرسالة التي تقدمها الجائزة، وبالتالي فالخاسر الوحيد من كل ذلك هو المبدع العراقي. الطامة الكبرى الآن أن يتذرع بعض مانحي الجوائز دولاً وأفراداً بوجود الاحتلال الأميركي في العراق، وبالتالي فإن كل العراقيين مسؤولون عن هذا الوضع الشاذ بمن فيهم المثقفون الذين عوقبوا جميعاً لذنب لم يرتكبوه! على العكس من ذلك، انشأ الديكتاتور عدداً كبيراً من الجوائز الأدبية والفنية والعلمية حتى وقدمها لأدباء عرب من مختلف الدول العربية كان الكثير منهم يحلم بالحصول عليها لقيمتها المادية الكبيرة والجميع يذكر قصة الكاتب المصري يوسف إدريس الذي فاز بالجائزة في إحدى السنوات وطلب أن تحول المئة ألف دينار العراقي إلى دولار لأنها ستصبح أكثر من ثلاثمئة ألف دولار «كان الدينار العراقي في تلك الفترة يساوي ثلاثة دولارات ونصف الدولار». في عام 1996 ألغى الديكتاتور جميع الجوائز الأدبية وأنشأ جائزة موحدة كبرى سماها «جائزة صدام للعلوم والآداب والفنون» تمنح مع وسام خاص وتبلغ قيمتها ملايين الدولارات فاز بجائزتها الكبرى المفكر المغربي محمد عابد الجابري، ويؤكد الكثير من المثقفين العراقيين انه قبلها من دون الإعلان عن ذلك، إذ حضر إلى العراق وقابل صدام شخصياً بعد مؤتمر عقد في بغداد. على الأغلب، نال الجابري هذه الجائزة عن كتابه «نقد العقل العربي» الذي يفاضل فيه بين البرهان والعرفان، وهو كما يعرف الكثير من القراء يحفل بطائفية مقيتة كانت تدغدغ مشاعر الديكتاتور. لن يحصل الشعراء والكتاب العراقيون على جوائز عربية ليس لأن ما يكتبونه غير صالح للجوائز أو لا يستحق الجوائز، بل لأنهم لا يعرفون كيف يسوقون أنفسهم إلى القراء والناشرين ومانحي الجوائز ولن يسعوا إلى ذلك في المستقبل وكل الذين فازوا بجوائز قيّمة لم يرشحوا أنفسهم. فهذا سعدي يوسف الذي يعيش في لندن لا يرد حتى على الهاتف. أما حسب الشيخ جعفر فلا يفارق البيت منذ عودته من عمان بسبب مرضه وقلة اختلاطه بالناس، ومحمد خضير لا يفارق البصرة إلا لظروف قاهرة... فكيف يمكن أن ينال جائزة أشخاص بهذه الحساسية؟ مضت سنون على ظهور جائزة البوكر العربية ولم يرشح أي كاتب عراقي لها، لا في القائمة الطويلة ولا القصيرة على رغم ظهور روايات عراقية مذهلة خلال السنوات القليلة الماضية. أين يكمن الخلل؟ هل هو في الناشرين أم في الموزعين أم في السياسة الطائفية التي تعتمدها بعض المؤسسات المشرفة على هذه الجوائز؟